اضطراب الجوار يهدد حدودنا بالمخدرات والأسلحة

المهربون يستغلون حاجة الضعفاء وصغار السن للتهريب

اضطراب الجوار يهدد حدودنا بالمخدرات والأسلحة

? محمد الهتار، محمد المالكي (الشريط الحدودي الجنوبي)

تمثل الجبال والأودية المتنفس الرئيس لعصابات الاتجار سواء في المخدرات أو في البشر، همهم الوصول إلى أراضي المملكة وهدفهم بيع كل ما يملكون من مهربات ومواد مسمومة وقاتلة لتدمير مقومات شعب آمن ومطمئن.
لم اصدق أن الكميات التي تضبط يوميا بواسطة حرس الحدود تأتي من تلك الجبال الشاهقة والوديان والصحراء الرملية.. سألت نفسي كيف يصعد هؤلاء إلى تلك الجبال.. وكيف يتسلقونها.. وكيف يستطيعون اجتياز الرمال الحارقة لتمرير بضاعتهم.
رد العقيد صالح البشري قائد قطاع العارضة في حرس حدود منطقة جازان: قبل أن تسال كيف يتسلقون ويجتازون الصحراء والوديان.. اسأل كيف يتم ضبط هؤلاء.. يسمى منسوبو حرس الحدود بالرجال البواسل ومعناها الرجال الشجعان والجسورون والأبطال.. لدينا رجال لا تغفو أعينهم ولا تنام من اجل حماية وطنهم.
سألته: متى يتوقف نشاط عصابات التهريب؟ فأجاب لم ولن يتوقف، هم يسعون إلى جني المال وبشتى الوسائل ويسعون إلى تدمير المجتمعات الآمنة حتى وإن كلفهم ذلك الكثير.. هدفهم زعزعة المجتمعات من اجل تحقيق أهدافهم الهادمة. لكننا وبفضل الله ثم بفضل ولاة أمرنا نسير على طريق الحق والصواب وسنحمي ديننا وشبابنا ومجتمعنا حتى وان أريقت دماؤنا.. مملكتنا مستهدفه وشعبها مستهدف ولن نتوقف عن التصدي لهم ومحاربتهم وصدهم ليل نهار.
اقتربت من بعض من قبض عليهم في عمليات تهريب وحاولت الوصول إلى مسار تنقلاتهم.. معابرهم.. خططهم.. وسائل نقلهم وطريقة ترحالهم.
«جابر. س» يسكن في إحدى قرى الجنوب ترك زملاءه ولم يكمل دراسته وذهب برغبته وطوعه إلى عصابة الموت وقبل التحاقه بها يقول حاولت مواصلة دراستي لكني شعرت بعدم الرغبة فيها وقررت الجلوس في المنزل وكنت بين الحين والآخر أتقاضى مصروفي من والدي وبدأت أفكر إلى متى يستمر هذا الحال كلما احتجت إلى المال مددت يدي إلى والدي.. تلقفني رفاق السوء الذين زينوا لي طريق الشر وأغووني بالمال وحتى أضعاف ما أريد وافقت على جلب الذخيرة الحية إلى السعودية من اليمن بفضل سكني في المنطقة ومعرفتي بطرقها الوعرة، وهناك التقيت برجل طلب مني إدخال 126 ألف طلقة رصاص حي وضعتها في كيس وحملتها فوق ظهري وشققت بها الجبال والأودية محاولا خداع رجال حرس الحدود مستفيدا من معرفتي بالطرق لكنهم كانوا أذكى مني وقبضوا علي وبحوزتي الذخيرة الحية.
علي زيدان (20 عاما) مدان بجريمة تهريب 22 مسدسا من النوع ربع يقول: بين الحين والآخر كنت اهرب الأغنام إلى داخل المملكة عبر الجبال والأودية ومرة انجح وأخرى يقبض علي رجال حرس الحدود واعتذر أنني راعي أغنام وجاهل بالمنطقة فيعيدونني من حيث أتيت، كنت سعيدا بذلك حتى أتى ابن عمي وطلب مني الانضمام إليه وأغراني بالمال (300 ريال سعودي مقابل نقل الحملة) وقال استعد لتنعم بالراحة ومن سوق القهر ليلا انطلقنا مجموعة من الرفاق لكن مخططنا فشل أمام نجاح رصد حرس الحدود السعودي لتحركاتنا فقد انذرونا إما الاستسلام أو الموت واستسلمت فيما لاذ البقية الهرب حتى الدليل الذي كان معنا كان أول الفارين.

6 أقرباء جمعهم التهريب
ستة شبان من الجنسية اليمنية يسكنون بالقرب من حدود المملكة في قرية واحدة اختلفت أعمارهم ولكن التهريب جمعهم، علي احمد، عبده محمد، ابراهيم حسن، عادل أمين، على محمد، علي ابراهيم، قبض عليهم الرجال البواسل.. بداية رفض علي أن نطلق عليه لقب مهرب رغم أن رجال حرس الحدود قبضوا عليه مع رفاقه وبحوزتهم كميات من الحشيش المخدر وقال انه ضحية وبدأ يسترسل في سرد قصة دخوله عالم التهريب قائلا: نشأت في ظروف اقتصادية صعبة وفي محيط أسرة بسيطة ولم اتلق من العلم إلا اليسير وحاولت أن أتغلب على ظروفي الاقتصادية لكنها قهرتني ولم أجد أمامي سوى الانضمام إلى بعض من رفقائي في نقل نبات القات المخدر إلى الأراضي السعودية ومنها بدأت التكسب ورغم أن أحوالي تحسنت إلا أنني رغبت في كسب المزيد خاصة ان احد رفاقي تحسنت ظروفه وقررت أن أخوض تجربة نقل مخدر الحشيش وفي سوق المشنق اليمني التقيت بأحدهم وطلب مني الانضمام إليه والحصول على 8 آلاف ريال سعودي مقابل حمل 8 «بلاطات» من مادة الحشيش المخدر وبدلا من توصيلها إلى الأراضي السعودية وصلت إلى قبضة رجال حرس الحدود.
فيما يقول رفيقه عبده، لا اعرف في المجموعة التي قبض عليها حرس الحدود إلا اثنين هما علي ابراهيم وعلي احمد، بحكم أننا نسكن في قرية واحدة وأعمارنا متقاربة وحتى ظروفنا المادية متشابهة، أحيانا نعمل وأحيانا ننام وأحيانا نبحث عن عمل ولا نجده.. فأنا الابن الأكبر بين إخوتي وتوفير احتياجاتهم مسؤوليتي.. ففي اوقات اعمل عتالا في نقل النبات المخدر القات إلى الأراضي السعودية واغلب الأوقات تتم في جنح الليل الدامس وقمت بذلك حوالى 3 مرات لكني أخاف من رصاصة طائشة قد تصيبني من حرس الحدود أو من غيرهم ونتيجة خوف اخوتي الشديد قررت أن ابتعد نهائيا عن عمليات التهريب ولكن بعد أن اجني مالا وفيرا وهذه المرة ليست من نقل نبات القات المخدر وإنما من نقل نبات الحشيش المخدر وبحكم معرفتي لبعض العاملين في هذا المجال قررت إدخال 9 «بلاطات» من نبات الحشيش مقابل 9 آلاف ريال سعودي سأشتري منها سيارة أتكسب من خلالها وللأسف حلمي ذهب أدراج الرياح وصفدت يداي بالأغلال.
ويقول ابراهيم حسن، عدم قدرتي على توفير تكاليف الزواج وخشيتي من أن يتقدم بي العمر دون أن أتزوج جعلتني ادخل مجال تهريب المخدرات وللأسف هذه المرة الأولى والأخيرة، فقد كنت أرى بعضا من أقراني في القرية ينعمون بالمال وكلما سألت قالوا الأمر سهل اعمل عتالا في تهريب القات أو الحشيش وكنت اسمع أن تهريب الحشيش هو الأوفر في الحصول على المال.. جلست مع نفسي وقلت لها طالما أن المشوار هو واحد وان المخاوف أيضا هي واحدة.. ما الذي يمنعني من ضرب ضربتي لمرة واحدة احصل فيها على نصف مليون ريال يمني «10 آلاف ريال سعودي» أتزوج منه وابني غرفة اسكن فيها مع زوجتي بعدها ابدأ في البحث عن عمل بعيد عن المشاكل ولكن قدر الله وما شاء فعل.. وأنا اعترف بخطئي وأتمنى أن يسامحوني واقسم لهم أنني لن أعود ثانية إلى التهريب.
فيما يصف عادل أمين قصة التحاقه مع رفاق التهريب بقوله: الظروف هي التي جمعتنا واقسم لكم أنني حاولت أن أتراجع لكن هددوني وقالوا لي ستندم ولم أجد أمامي سوى المضي في مشوار الشيطان.. فأنا أب لثلاثة أطفال وسبق أن عملت في تهريب القات واعرف المنطقة بجبالها وأوديتها وهذه المرة كان برفقتنا دليل يسير أمامنا ويقودنا من تلة لأخرى ومن جبل لآخر ومن واد إلى بر.. انطلقنا قبل الغروب وبدأنا في شق الحدود السعودية حتى وصلنا إلى صخرة كبيرة اختبأنا خلفها متخفين من رجال حرس الحدود السعودي دون حراك أو همس.. لأننا نعرف أن لديهم أجهزة قد تكشف مواقعنا وعندما انتصف الليل قال لنا الدليل الذي لا نعرف اسمه وإنما كنا نناديه بكلمة «هيي» والذي كان يحثنا في الإسراع فالخطة كانت تعتمد على وصولنا إلى المملكة وهناك سنجد من ينتظرنا ويتسلم منا الحشيش ونتسلم منه الفلوس.. لكن الذي حدث لم نصل إلى هدفنا فقد وجدنا حرس الحدود لنا بالمرصاد.. الدليل فر وهرب مع سماع إطلاق النار ونحن عزل استسلمنا وقبض علينا وكما ترى ندفع الثمن فيما طار الدليل وطار المهرب.

مواجهة نارية
وفيما كنا نمشط حدودنا الجنوبية في العارضة برفقة حرس الحدود سمعنا عن مواجهة نارية بين ضباط وأفراد حرس الحدود وبين مهربين ورغم محاولتنا أن نكون قريبين من الموقع إلا أن العميد عبدالله بن محفوظ رئيس الشؤون العامة رفض وقال: المجرمون لن يتوانوا عن إطلاق النار عشوائيا وقد تتعرضون لخطورة ومثل هذه المواقف اعتاد عليها رجال حرس الحدود الذين يسطرون جهودهم بالشهادة والإصابة من اجل حماية وطنهم، وكما ترون الوضع في الميدان مسيطر عليه وبمشيئة الله لن يحل الصباح إلا والمهربون في قبضة الرجال البواسل.. وانتظرنا بزوغ تلك الليلة التي كانت من الليالي الطويلة وما إن بزغت الشمس حتى علمنا أن رجال حرس الحدود قد اجبروا المهربين على العودة من حيث أتوا وضبط مهرباتهم من نبات الحشيش المخدر.
وبينما كنا نستعد لمغادرة قطاع العارضة إذ برجال حرس الحدود يعلنون عن قبضهم على مجموعة من جنسية افريقية بالجرم المشهود في تهريب المخدرات.. يقول (فارع احمد) أحد المهربين: هربنا من جحيم حرب بلادنا وتلقفتنا أيدي المهربين بلا رحمة.. استغلوا ظروفنا وحاجتنا للمال وبدلا من مساعدتنا طلبوا منا العمل في نقل وإدخال المخدرات إلى الأراضي السعودية.. نقلنا لهم مخاوفنا بأن رجال حرس الحدود السعودي قد يطلق النار علينا خاصة أن سيرنا سيكون ليلا ومتخفيا لكنهم قالوا لا تخشوا شيئا سنكون معكم وسنؤمن لكن الحماية ولكنهم كذبوا علينا وكانوا أول الفارين بعد أن رأوا إطلاق النار وحتى لا نتعرض للقتل أو الإصابة التزمنا مواقعنا حتى أشرقت الشمس وقبض علينا.
ويضيف رفيقه محمد صالح قائلا: قبل أن انضم إليهم كنت متأكدا أننا لن ننجح وان الموت سيكون في استقبالنا لأننا نسمع كثيرا عن قوة رجال حرس الحدود السعودي وقدرته على كشف المتسللين والمهربين واستخدامهم للقوة مع أي شخص يرفض الاستسلام أو الانصياع لأوامره ولكن سعيد هو الذي شجعني وقال حياتنا تعب في تعب وشقاء ما الذي يمنعنا من العمل كغيرنا في عملية التهريب والاستفادة من المال فكل بلاطة حشيش نوصلها إلى الأراضي السعودية ثمنها ألف ريال سعودي ونحن في حاجة للمال ونحمد الله أننا سلمنا من القتل بعد مواجهة رجال حرس الحدود مع من كان يرافقنا الذي بدأ في إطلاق النار على حرس الحدود ولا نعرف إلى أين ذهب أو اختفى.


التهريب عمل منظم لجماعات تبحث عن المال وخراب المجتمعات

واجهنا العقيد ركن ابراهيم شراحيلي قائد قطاع الداير عن أسباب وضوح التهريب في منطقته فأجاب قائلا: حدود منطقتنا قريبة جدا من الدولة المجاورة وطرقها وعرة وتطل على بعض أسواق الدولة المجاورة التي تبيع الأسلحة مع وجود ضعاف النفوس تستغل تلك الأسواق في محاولة إدخال الأسلحة والذخيرة إلى المملكة وحتى مخدر نبات القات والأغنام وان كانت بكميات لا تذكر كثيرا.. وكل المعوقات التي يواجهها حاليا رجال حرس الحدود ستنتهي بإذن الله قريبا مع الانتهاء من مشروع تطوير أعمال حرس الحدود في المنطقة الجنوبية وحتى في ظل مشروع التطوير رجال حرس الحدود يبقون حصونا منيعة لحماية هذا الوطن الغالي الذي للأسف يحاول بعض العابثين النيل منه ومن أبنائه وبالذات شبابه.
فيما قلل العقيد فيصل سالم الجهني قائد قطاع فرسان من استخدام البحر في عمليات التهريب لكنه في نفس الوقت لم ينف أنهم ضبطوا بعض ضعاف النفوس رغبوا في تلويث البحر بمخدراتهم وقبض عليهم وأودعوا السجن بعد أن حاولوا إخفاء مخدراتهم عبر ثلاجات الصيد في المركبة.
وأوضح المقدم عبدالله الشهراني مساعد قائد العارضة أن معظم الذين يتم القبض عليهم هم من الشباب وأعمارهم تتفاوت وهم من الجنسية اليمنية وجنسيات افريقية والقليل جدا من المواطنين المغرر بهم من قبل بعض الأشخاص وسبق أن القينا القبض على رؤوس عصابات فالتهريب عمل منظم ولا يتم عشوائيا وخلفه رؤوس تريد حصد المال وتخريب المجتمعات.
وفي مركز أبو سبيلة وقفنا أمام كميات كبيرة من نبات القات ضبطها رجال حرس الحدود مع مهربين حيث قال قائد المركز النقيب ابراهيم المنديلي: مضبوطاتنا لا تنحصر فقط في ضبط نبات القات المخدر بل في مختلف أنواع المخدرات والمهربات ومنها الألعاب النارية التي تنشط عند المواسم ولكنها تحبط على أيدي رجال حرس الحدود.