أعيدوني لسبورتي

صرخ أحد المعلمين، عبر رسالة بعثها إلي مليئة بالكلمات الصادقة مخلصة جعلتني أقف وقارا لمربي الأجيال في بلادي..
السلام عليكم أستاذ عثمان.. هذه رسالة أوصلها بطريقتك لكل معلم في بلادي، فربما أعود لسبورتي! ويتمسك هو بسبورته!
كنت ولازلت معلما يشار لي بالبنان، أؤمن أن نهضة التعليم في بلادي لن تتحق إلا عن طريق المعلم المخلص المبادر.
تم استدعائي في مساء إحدى الليالي للعمل كمتعاقد في أرقى وأجل مكان في بلادي فأجبت النداء وأبليت بلاء حسنا، يعرفه جل زملائي آنذاك الذين ظلوا ينادون ببقائي معهم، لكن ذهني ظل معلقا بالسبورة والإلقاء!
يا عثمان لا أجد نفسي إلا في المدرسة عبر مواقف لم تغادر الذاكرة! فحقق الله المنى في يوم هو من أعظم أيام الله قربة إليه يوم «عرفة» كنت واقفا قبيل الغروب أدعو الله أن يختار لي من الأمر ما فيه نفع لنفسي وأمتي وعند الغروب إذا بأحدهم يقول: مبارك! ها قد عدت معلما!، يا ألله يا مجيب دعوات الملبين!
جئت للتعليم محبا ومعلما للعربية، شارحا لفنونها، استطعت أن أجعلها جاذبة محببة للطلاب، بكافة الطرق.
كانت هذه المدرسة بعيدة عن مقر سكني، فتحملت عناء الطريق عاما كاملا، وغير العناءِ حادثا «مروريا» أرهقني كثيرا حيث أصبت في الرأس والقدم.
لم أجد حلا للقرب من سكناي سوى الإدارة المدرسية! ترددت حينها قبل أن أقدم! استخرت الله، وأقدمت على هذه الخطوة الأكثر حملا وعظمة أمام الخالق عز وجل فعملت مديرا لعدة مدارس وبرحمات وتوفيق الله عز وجل لمست من نفسي ومن زملاء الميدان أنني أثمرت وإني أعيد ذلك أولا وآخرا للسبب المحفز من البداية وهو (الإخلاص مع العمل) .. يا عثمان .. حتى الآن لم أستطع التخلص من حبي وعشقي للتدريس فلا يزال يطاردني حلم العودة لسبورتي!
إنني أختال حصص الانتظار فأدخل على الطلاب، فأشرح لهم بشغف! وأعود لمنزلي سعيدا لأنني كنت مدرسا في هذا اليوم!
نعم أنا مدير! وربما نجحت ! لكنني مدرس في الأصل، وحنيني للتدريس بلغ منتهاه!
يا عثمان.. كلما رأيت معلما قصر - لاسمح الله - في أداء رسالته (بكيت) وقلت: ليته يعرف قصتي! وحبي لمهنته! فوالله لن يقصر بعدها! مهما كانت الأسباب!
.. لا أريد شيئا في هذه الحياة، فقد تركت كل شيء لأكون معلما نافعا مثمرا في بلادي!
.. هذه رسالة لأهل التربية: والله لا أرفع وأجل وأعظم عندي الآن من أن أكون معلما! فقط أعيدوني لسبورتي! وعشقي الأبدي!
انتهى كلامه - فرج الله همه -، وإنها لرسالة عظيمة لكل معلم أن يتمسك برسالته وسبورته وأقلامه وكل ما يذكره بفصله وطلابه، قبل أن يصل لحالة هذا الهائم الذي يحن ويشتاق ويبكي «لسبورته».

عثمان المالكي