ساعة «أوبك» بدولار

بدر بن سعود

أسعار النفط كانت في أحسن أحوالها سنة 2008 عندما وصلت قيمة البرميل إلى 140 دولارا، وهذا الارتفاع ساهم في دخول لاعبين جدد كانوا يفضلون الجلوس في مقاعد المتفرجين، ومن هؤلاء الولايات المتحدة، فقد اهتمت مؤخرا بزيادة إنتاجها النفطي، واستثمرت في النفط الصخري رغم تكلفة استخراجه العالية، وربما تصور الأمريكان أنهم يستطيعون تعويض الفارق المكلف، فقد انتشرت توقعات بأن تجارة النفط قد تصل إلى أرقام قياسية في المستقبل، والذي حدث أنها بدأت في التراجع، ووصلت في نهاية هذه السنة (2014) إلى ما يقارب 75 دولارا للبرميل، والثابت تاريخيا أن النفط الذي بلغ عمره 144 سنة لا ينتعش إلا في أوقات الأزمات والحروب، وسجلت أسعاره رقما مهما أيام الحرب العالمية الأولى وما بعدها وصل إلى 100 دولار للبرميل، وفي فترة لم تتجاوز الست سنوات تراجع من 100 دولار إلى 3 دولارات، وعاد ليرتفع في سبعينات القرن الماضي إلى 13 دولارا تقريبا، وذلك نتيجة لحظر توريده بقرار عربي جماعي، في استجابة لموقف الملك فيصل بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ والذي جاء من باب الرد على الدعم الأمريكي لإسرائيل، وتسببت ثورة إيران والحرب العراقية الإيرانية في بدايتها في وصول أسعاره إلى 35 دولارا، ولكنها تدهورت إلى 10 دولارات في فترة وجيزة لوجود خلافات في الإنتاج بين دول أوبك، ولم تتحسن الأسعار في أزمة الكويت سنة 1991، والاستثناء يؤكد القاعدة، ولم تتجاوز حاجز الـ35 دولارا إلا في سنة 2005 بفعل الكوارث الطبيعية وتأثير الجغرافيا على السياسة والأزمات المتلاحقة في أكثر من دولة نفطية، وحدث أن ارتفعت الأسعار بشكل صاروخي لتصل إلى 90 دولارا للبرميل، وتواصل الارتفاع بعدها، ومن ثم تكررت الحكاية القديمة في 2014، وفقد النفط 50 في المئة من قيمته مقارنة بالسنة الماضية، وفي أقل من ستة أشهر، والقادم في علم الغيب، ومن المفيد البناء على السوابق.
أمام كل هذه الحقائق، اجتمع وزراء «أوبك» في فيينا قبل أيام، وكان أن قرروا الاستمرار في معدل الإنتاج الحالي الذي يقدر بـ30 مليون برميل في اليوم، وهو رقم قابل للارتفاع بمعدل مليون برميل شهريا، وخسرت سوق النفط خمسة دولارات من قيمتها خلال ساعات الاجتماع الخمس، حتى أن واحدة من الصحف المحلية قالت من باب النكتة إن كل ساعة اجتماع لـ«أوبك» تساوي دولارا خسارة، والمعنى أن سعره انخفض من 75 دولارا إلى 70 دولارا للبرميل، ويوجد كارتيل في «أوبك» تقوده فنزويلا وتميل إليه إيران يفضل تقليص الإنتاج إلى 28 مليون برميل في اليوم، والغرض أن يتساوى العرض مع الطلب، فالفائض ــ في اعتقادهم ــ يقارب هذا الرقم، وفي رأي أغلبية «أوبك» إنقاص سقف الإنتاج لن يغير شيئا؛ لأن كبار المنتجين من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط؛ كروسيا والمكسيك، لن يلتزموا، والأولى تنتج لوحدها عشرة ملايين برميل في اليوم، وألمحت مؤخرا إلى التقليل من إنتاجها وبنسبة 25 ألف برميل في اليوم، وفي رأي المراقبين لا تشكل المبادرة الروسية وزنا يذكر، وهم يراهنون على أنها لن تستطيع المواصلة في إنتاج نفس الكمية طويلا إذا قلت الأسعار عن 70 دولارا، ومن غير المستبعد توقف استثمارات أمريكا في النفط الصخري؛ لأنهما سيبيعان بالناقص مثلما يقولون في المحكية السعودية، والكلام ــ بطبيعة الحال ــ يخص البيع الفوري وليس العقود الآجلة.
النفط ــ كما هو معروف ــ يشكل ما نسبته 90 في المئة من صادرات المملكة، ولا أتصور أن الفرضيات السياسية واردة بدرجة كبيرة، وخصوصا فيما يتعلق بخفض الإنتاج للإضرار بمصالح إيران وروسيا، أو لإرباك أولويات الدولتين في قضايا المنطقة، وأهل الخبرة يؤكدون جاهزية الدولة من الناحية المالية لاحتمال تراجع أسعار النفط، وأنها تقرر دائما إيرادات ومصروفات موازنتها العامة استنادا إلى قيمة سوقية للبرميل لا تتعدى 70 دولارا، ولا يغير في السابق ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط ما دامت في حدود السبعين، وبالتالي، فالمفاجآت مستبعدة في المستقبل القريب، والدول المستفيدة تعمل على جعل الرقم المذكور بمثابة الحد الأدنى وخط الصفر، ومع ما ذكر، فمن الواجب الاستعداد لكل الاحتمالات، والتفكير في صناعات وموارد بديلة، وفي تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحول الاجتماعي اللازم لمواجهة مشاكل النفط المحتملة والمؤكدة.