الاستراتيجية الأمريكية ضد «داعش»

أنور ماجد عشقي

من أهم القواعد الاستراتيجية الأمريكية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة لإلحاق الهزيمة بـ«داعش»، هو إعادة بناء القطاع الأمني العراقي الذي يشكل عنصرا حاسما في الصراع بعد فشل الجيش العراقي في الدفاع عن الموصل أمام «داعش» الذي شن حربا خاطفة فاستولى على ثلث العراق وأصبح يهدد عاصمتها بغداد في صيف 2014م.
لقد ظلت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من عقد كامل تبذل الجهود لإعادة بناء وتجهيز وتنظيم وتدريب قوات الأمن العراقية التي سارع (بريمر) إلى حلها وإعادة بنائها، لكن القيادة الضعيفة القائمة على الفساد والتشفي إلى انقسامات طائفية وإثنية وهو الذي تسبب في هذه الكارثة.
الولايات المتحدة وجدت أنه من الضروري إعادة بناء القوة الأمنية، لأنها قررت أن لا تخوض حربا برية عن العراق بل تكتفي بتقديم الإسناد وتأهيل الجهاز الأمني.
إن أهم عناصر الإصلاح للقطاع الأمني الذي ورد في الرؤية الأمريكية، هو إقامة حرس وطني جديد يضم عناصر قبلية سنية كمجموعات تنظم خارج الجيش والشرطة الرسميين للعمل كاحتياطي محلي تحت سيطرة حكام المحافظات، لكن تفاصيل الخطة لم تكن واضحة.
فمن السابق لأوانه أن تحكم عليها بالنجاح أو الفشل، لأن هذا يعني تبني هيكلية عسكرية لا تتفق مع العوامل المتأصلة في العقيدة العسكرية العراقية، فهل الحكومة العراقية على استعداد أن تنقل بعض الصلاحيات السياسية إلى المجتمعات المحلية وبشكل خاص السنة في المحافظات الشمالية الغربية؟، فبعض الدول التي هبت عليها رياح الربيع العربي تكونت فيها ميليشيات محلية عملت تحت سيطرة شكلية من الدولة المركزية، مما اضطر الحكومات إلى شراء ولاءات هذه الميليشيات القبلية والإقليمية والطائفية بالمال، فكانت تحمل خزينة الدولة تكاليف باهظة، لكن تشكيل الحرس الوطني أصبح يمثل فرصة لحل المشاكل بين المركز والأطراف.
إن بعض المحللين الاستراتيجيين من أمثال (فريدريك ويرني) يرون أن نقل السلطات إلى حكام المحافظات ينضوي تحت مخاطر عديدة، من أهمها أن الحرس الوطني الذي يهيمن عليه السنة قد يرفض أحكام بغداد الخاضعة للسيطرة الشيعية مما قد يفاقم من الصراعات الداخلية، وتصبح العراق ميدانا للصراع بين إيران والدول العربية، لكن ذلك إمعانا في التشاؤم، كما أن نقل السلطات يساعد على التخفيف من حدة الصراع الطائفي في العراق، وهو ما يسمح للحكومة المركزية في بغداد من التواصل مع الأقلية السنية وتزويدها بالمؤسسات الشمولية في الشأن الوطني وإنهاء عملية الإقصاء الذي كان سببا في ضياع ثلث الوطن العراقي، وبهذا يصبح السنة شركاء في المجال السياسي وهذا يتطلب التفاهم والتقارب مع دول الجوار.