الدكتور الجراح محمود عبدالجبار اليماني المدير العام التنفيذي لمدينة الملك فهد الطبية، من الكفاءات التي رسخت أقدامها في مجال الطب وتخصص الجراحة بشكل خاص. قاده إلى عالم الطب موقف مؤثر عاشه في سن العاشرة، حينما تسلل مرض السرطان إلى مخ صديقه فانتقل إلى رحمة الله، ما جعله يفكر جيدا في دراسة الطب.. تحديدا تخصص الجراحة؛ للمساهمة في علاج مرض السرطان وتحقق له ذلك.
«عكاظ» حاورت الدكتور اليماني حول بدايته في تخصصه والمصاعب التي واجهها خلال مسيرته العملية، إضافة إلى بداية تأسيس المركز الوطني للعلوم العصبية في مدينة الملك فهد الطبية، حتى بات ضمن المراكز العالمية المتقدمة .. يقول إن ندرة المتخصصين في جراحة المخ مردها صعوبة التخصص وأن تحول المملكة إلى مركز عالمي لعلاج أمراض المخ ليس مستحيلا، فالشباب الدارس والمؤمن قادر على مواجهة الصعاب. وكشف الجراح اليماني أن العاملين في قطاع العمليات الجراحية ينتابهم الخوف أحيانا أثناء إجرائهم للعمليات المعقدة بسبب المضاعفات غير المحسوبة التي قد تصيب المريض أثناء الجراحة، منتقدا في ذات الوقت النظرة الاجتماعية القاصرة لمهنة التمريض، وقال إنه يتخيل المشكلات الطارئة قبل الجراحة بصورة ثلاثية الأبعاد، والتجهيز للتعامل مع المتغيرات التي قد تطرأ ومناقشة الخيارات المختلفة مع زملاء المهنة داخل وخارج المدينة الطبية.
• ما الذي دفعكم إلى دخول عالم الطب.. هل كانت رغبة الوالدين أم اتجاه شخصي؟
•• رحل صديقي نتيجة إصابته بمرض سرطان لمخ، وكان عمري عشرة أعوام، إذ تركت وفاته أثرا كبيرا في نفسي، وقررت وقتها دخول كلية الطب للمساهمة في علاج مرضى السرطان.
• بدأت مهمتك في المركز الوطني للعلوم العصبية في مدينة الملك فهد الطبية والمقاول لازال يعمل في تشييد المركز، والآن أصبح من أفضل المراكز في الشرق الأوسط،.. كيف كانت بداياته، ومن هم شركاء النجاح؟
- بدأ المركز كفكرة، ثم وجدت كل الدعم من الدكتور حمد المانع وزير الصحة الأسبق والدكتور إبراهيم الطعيمي والدكتور علي الشنقيطي، ثم الدعم غير المحدود من الدكتور عبدالله العمرو والدكتور منصور الحواسي. كما حظيت فكرة الارتقاء بالمركز إلى مستوى مركز وطني بالدعم والمؤازرة من الدكتور عبدالله الربيعة وزير الصحة السابق، ليصبح المركز أكبر مشروع لطب وجراحة الأعصاب والعمود الفقري على مستوى الشرق الأوسط، وكانت البداية بإنشاء قسم العلوم العصبية بسعة 24 سريرا كمرحلة أولى، يتم بعدها دراسة الاحتياجات على مستوى مدينة الرياض، وبعد دراسة الاحتياجات تطور القسم إلى مركز بسعة 90 سريرا وعقب الانتهاء من الدراسة الإجمالية على مستوى المملكة وثبات نجاح المرحلتين الأولى والثانية تمت الموافقة الكريمة على مشروع المركز الوطني للعلوم العصبية بسعة 350 سريرا في منطقة الرياض و650 سريرا موزعة على المناطق الأربعة، بحيث يكون المركز الوطني مرجعا للمراكز الفرعية للعلوم العصبية، وروعي في عملية توزيع الأسرة على المدن الطبية في المناطق المختلفة الكثافة السكانية والأمراض السائدة وإمكانية استقطاب القوى العاملة المتخصصة، كما تم الأخذ في الاعتبار وجود خدمات طبية تخصصية في القطاعات الحكومية الأخرى وتوزيع المشاريع في المناطق المختلفة، أما عن شركاء النجاح فهم فريق العمل في المركز الوطني للعلوم العصبية ونظرا للدور الأساسي والفعال لكل فرد منهم يصعب تحديد أشخاص بأعينهم.

جراحة لا أنساها
• من خلال مسيرتك الطويلة في عالم الطب والمركز هل هناك عملية جراحية عالقة بذهنك لا تكاد تنساها في كل مكان ذهبت إليه؟
•• فور عودتي من كندا عملت في مستشفى الشميسي (مدينة الملك سعود الطبية حاليا) وكانت البداية صعبة، حيث لم يكن المستشفى مجهزا بشكل يسمح بإجراء عمليات معقدة، وأذكر أنه تم تنويم مريضة تعاني من ورم في قاع الجمجمة أقعدها عن الحركة ولم يكن لديها خيار الانتقال إلى مستشفى آخر أو السفر خارج المملكة، وعملنا على شرح الوضع للمريضة وأخبرناها بأن مخاطر العملية عالية لكنها كانت الخيار الوحيد، وبرغم تواضع الإمكانات في ذلك الوقت وافقت المريضة على العملية التي استمرت قرابة 18 ساعة، واستطعنا بتوفيق الله إزالة الورم وعادت السيدة إلى حياتها الطبيعية بعد حوالي 3 أشهر.

الخوف من العمليات
• ماهي الحالة الشعورية التي تلازمك قبل إجراء العملية، وهل هناك ممارسات خاصة يقوم بها الجراحون قبل الدخول إلى غرف العمليات؟
•• ينتاب الجراح شعورا بالخوف قبل كل عملية، فالمضاعفات أمرها وارد، ولا يمكن التنبؤ بما يصيب المريض من مضاعفات، ويبقى التخطيط الدقيق ومراجعة الفحوصات وتخيل وضع المشكلة بشكل ثلاثي الأبعاد والتجهيز للتعامل مع المتغيرات التي قد تطرأ أثناء العملية ومناقشة الخيارات الجراحية المختلفة مع زملاء المهنة داخل وخارج المدينة الطبية وخارج المملكة إن تطلب الأمر، والأهم من كل ذلك استخارة الله سبحانه وتعالى قبل كل عملية مجدولة.

الجراح ثروة وطنية
• ندرة جراحي المخ والأعصاب في المملكة هل ترجعها إلى ثقافة المجتمع أم لمنهج التعليم الرسمي؟
•• ندرة أطباء جراحة الأعصاب تعود إلى صعوبة التخصص وخطورة الممارسة فيه وغموض المجال وطول مدة التدريب والحاجة إلى الصبر والدقة المتناهية والعمل الجماعي.
• الطبيب الجراح تحديدا يعتبر ثروة وطنية في كل بلد، هل تتفق معي في هذه الرؤية؟
•• نعم، يعتبر الطبيب عامة ثروة وطنية عندما يلتزم بأخلاقيات المهنة ويدرك أن رسالته الإنسانية تملي عليه أن يقدم كل ما يستطيع لمساعدة المريض، معتبرا خدمة المريض شرف خصه الله سبحانه وتعالى به، فيؤديه على أكمل وجه ممكن، مراعيا في ذلك حاجة المريض وضرورة الإنتاج والتضحية في سبيل الارتقاء بالخدمة الطبية عن طريق البحث العلمي والمناقشة المنطقية وعدم التردد في الاستعانة بخبرة الزملاء على جميع المستويات مقدما بذلك الخدمة التي يطمح للحصول عليها لو وضعه الله سبحانه وتعالى مكان المريض.

صعبة ولا مستحيلة
• متى تكون المملكة وجهة للعمليات الجراحية النوعية إقليميا وعالميا؟
•• رؤية صعبة ولكنها ليست مستحيلة أمام ما نراه من جيل شاب قادر على تحمل المسؤولية ومسلح بسلاح العلم والإيمان بالله واضع نصب عينيه أن نجاحه يعنى حياة أفضل للمريض وارتقاء بالخدمات الصحية، مقتديا بإنجازات الأطباء السعوديين الذين نجحوا في جعل المملكة وجهة العالم في تخصصاتهم أمثال الدكتور عبدالله الربيعة في تخصص فصل التوائم السيامية والأمثلة من الأطباء السعوديين في التخصصات الأخرى موجودة أيضا مما وضع المملكة على الخارطة الإقليمية وسيضعها بإذن الله على الخارطة العالمية قريبا.
• ما الذي قدمته التقنية الطبية الحديثة للعمليات الجراحية على وجه التحديد؟
•• الدقة والتنبؤ بكل احتمالات التدخلات الجراحية مما يؤدي إلى تفادي الأخطاء وتعزيز النتائج الناجحة.

التمريض والنظرة الاجتماعية
• تنهض وتتطور الأمم بمراكزها البحثية، ماذا قدمتم كمدير عام تنفيذي لأكبر مدينة طبية في الشرق الأوسط من حيث تنمية وتعزيز الجانب البحثي؟
•• دخلت مدينة الملك فهد الطبية ممثلة في عدة أقسام مجال البحث العلمي وبدأت البحث مع جهات عالمية لإقامة مراكز أبحاث متكامل ومن أمثلة ذلك مركز أبحاث تصوير الجهاز العصبي ومركز المحاكاة بالشراكة البحثية مع المركز الوطني للأبحاث بكندا لتطوير تقنية المحاكاة الجراحية لأورام الدماغ وعمليات العمود الفقري كما أننا حاليا بصدد البدء في برنامج بحثي مشترك مع منشأة كورية وأخرى أمريكية لتطوير البحث في مجال أورام الدماغ وذلك ببناء تقنيات مبتكرة وتطويرها.
• كمسؤول.. سألك سعودة التمريض مازالت ضئيلة جدا، كيف يمكن حل هذه المعضلة؟
•• قد تكون النظرة المحلية الاجتماعية للمهنة والتي تحتاج إلى تغير جذري هي السبب الرئيسي لابتعاد المواطنين عن التخصص ويتم الآن معالجة الأمر بإبراز الدور المهم والرئيسي للتمريض والحاجة الماسة لهذا التخصص الإنساني الذي لا يقل أهمية عن التخصصات الطبية والتقنية.

المرأة ليست عالة
• المرأة السعودية أين موقعها على خارطة الطب والإدارة الطبية؟
•• تشق المرأة السعودية طريقها بنجاح منقطع النظير إقليميا في مجالات الطب والإدارة الصحية والحقيقة أن التقدم الذي يحصل في هذا لا يترك مجال للشك في الدعم الذي تجده المرأة في المملكة كعضو بناء رغم كل التحديات الاجتماعية.
• ما هي الظواهر الاجتماعية التي تحتاج إلى مشرط الجراح لاستئصالها؟
•• من الظواهر الاجتماعية التي تحتاج إلى استئصال الإرهاب، والتطرف، وضعف الإنتاجية في العمل، والاتكالية على الآخرين، وعدم الثقة في النفس، واحتقار بعض المهن الحرفية والترفع عنها، ومعاملة المرأة على أنها عالة على المجتمع وعدم الثقة بقدراتها على الإبداع والتميز وقصر دورها في أضيق الحدود.


تشخيص وعلاج وبحوث


هدف المدينة الطبية توفير الرعاية الطبية المتخصصة بأعلى مستوياتها، من خلال نخبة من الموظفين يتمتعون بمهارات متميزة في مجال الرعاية الصحية. ومن خلال عملهم جنبا إلى جنب مع زملائهم العاملين في المجال الطبي، الأمر الذي يجعلهم مسؤولين عن المريض في المقام الأول. وتعنى مدينة الملك فهد الطبية بتقديم الخدمات التخصصية التشخيصية والعلاجية وتستقبل جميع المرضى المحالين من مستشفيات وزارة الصحة وتتعاون مع جميع الجهات الحكومية المقدمة للخدمة الطبية وتقدم خدمات المدينة الطبية من خلال المستشفيات والمراكز الطبية الموجودة فيها. وتم تخصيص بوابة لخدمة موظفي مدينة الملك فهد الطبية التي تمكنهم من متابعة أعمالهم خارج المنظومة الطبية من خلال بوابة إلكترونية داخلية مرتبطة بشكل آمن بالشبكة الداخلية ليتسنى للكادر الطبي والإداري الاستجابة واتخاذ القرار والاطلاع على قائمة الأعمال الهامة من الخارج.

توريث العلم خير من توريث المال


ماذا بقي في ذاكرة الدكتور الجراح من الأطياف الثقافية التي تعرف عليها.. يجيب: حب الإنسان لعمله سبب رئيس للإبداع والتميز بغض النظر عن نوع العمل أو مستواه، والإيمان بالعمل الجماعي والتعلم من الآخر، والثقة بالقدرات المحلية، ووضع أهداف فردية قريبة الأمد وأخرى بعيدة الأمد والسعي إلى تحقيقها يضمن الارتقاء بالوطن، وتقبل الرأي الآخر واحتمال رجاحته سبب لتطور الإنسان وارتقائه، واحترام ثقافات الشعوب ومعتقداتها دليل رقي المرء، وإعمار الأرض بالعلم مسؤولية كل البشر مما يوجب التعاون على جميع الشعوب مع بعضها، وتربية الأبناء على مبادئ الدين والقيم وحسن الخلق خير رقيب عليهم، وتوريث العلم خير من توريث الأموال (رسالتي للشباب والشابات في الوطن .. نبذ الفرقة والتطرف، والتسلح بالعلوم والمعارف في جميع المسارات الطبية والعلمية والفنية والثقافية والاجتماعية، حتى نحقق رؤية خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- بأن الثروة البشرية هي الثروة الحقيقية والمحرك الأساسي لعجلة التنمية، وبالتالي نصل بالوطن إلى مصاف الدول الكبرى والمتقدمة).