الإعلام بين النقاب والحجاب

عبدالعزيز محمد النهاري

** الجميل فيما يثار على السطح المجتمعي من قضايا، أن يكشف لنا الإعلام بجميع وسائله النقاب عن أفكار متعددة التوجهات، ومتنوعة التناول، ومختلفة المحتوى فيما تحمله تلك الأفكار من ثقافة، تتدرج من القوة إلى الضعف، ومن الحجة المقنعة إلى الكلام الأجوف الضحل الذي يضم أحيانا كلمات تخرج عن نطاق الأدب إلى «قلة الأدب». ولم تعد الرقابة صارمة على ما يكتب ويقال، ذلك أن الصحيفة أو المحطة الإذاعية أو القناة التلفزيونية إذا أرادت أن تنأى بمتلقيها عن ما يسيء إلى الآخرين أو إلى الذوق العام، فإنها لا تستطيع الحد من تجاوز من يدونون تعليقاتهم من خلال «الإنترنت» على ما تبثه تلك الوسائل التقليدية، وإن استطاعت أن تمنع التجاوز، فإن أمام «الخارجين» على حدود الأدب مساحات أخرى بدون رقيب يستطيعون من خلالها النفوذ إلى المتلقي بما يريدون قوله، وتلك هي نعمة أو نقمة التقنية الحديثة التي أتاحت للجميع حرية الكلام والتجريح والخروج عن حدود الأدب، وذلك عيب ليس في التقنية التي ستستمر في التطور، وإنما هو عيب في أولئك الذين يعدمون الأخلاق والمبادئ فينالون من الآخرين مستخدمين أسماءهم الصريحة أو متخفين بأسماء أخرى، وتلك قصة أخرى فيها من الجبن والحقارة ما فيها.
وعلى الجانب الآخر، فإن الإعلام يكشف لنا أيضا ثقافة من يخوضون في أي جدل مثار حول أي قضية اجتماعية، فنجد كشكولا من التناولات، بعضها رصين متزن، وبعضها الآخر عشوائي غير محدد بأي ضوابط أو خلفيات علمية أو معلوماتية، وعلى سبيل المثال ما تم تناوله مؤخرا حول قضية الحجاب والنقاب التي أثارها فعل أحدهم، وشغلت حيزا من التناول والأخذ والرد على كافة الوسائل الاتصالية والإعلامية، لقد رأينا كيف خاض فيها من لا يحسن التناول في هكذا قضية علما ودراية، فظهر من يعلق ويستشهد بآيات وأحاديث وهو أبعد ما يكون عن مجال له رجاله وعلماؤه وباحثوه، وحتى وإن كان يوصف بأنه من «طلبة العلم». فليس من حفظ سورة من القرآن الكريم، أو قرأ كتابا في الفقه، أو عمل في مؤسسة دينية، يكون قادرا على الخوض في قضايا بعيدة عن فهمه وإدراكه ومستوى علمه ودراسته، ولا يجب أن يتصدى لها إلا العارفون ممن هم أجدر بالتناول والتعليق عليها.
إن من فضل الله على البعض أنه أصبح يفرق بوعيه بين الطبيب والنجار، فلا يستمع من الطبيب رأيا عن أنواع الخشب، كما لا يقتنع بوصفة النجار لعلاج الإسهال.