حنين إلى قريتي

سهاوة تلك القرية التي احتضنت طفولتي بين ذراعيها والتي التصق جسدي بجسدها تنفست من أنفاسها وترعرت بين أكنافها وسقتني الشهد من فيها، طيفها يراودني كل مساء فكلما أمعن طرف ذاكرتي أن يرتد عن ذكراها لحظة ازدادت حضورا في التجلي، إنها ذكرى الأحبة كم تبادلنا على ضفافها الضحكات والعبرات وتسامرنا تحت ضياء بدرها كم على أرضها لعبنا وكم سلينا ولهونا... كم.. وكم..
عروس شرعتها السحب البيضاء وتناثرت شهب النجوم على أمتانها وامتزج عطرها بنسيمها، تعجبك سهولها وشعابها الخضراء وأوديتها الحلزونية ومياه غدرانها الفرات وأحجارها المتلألئة كالياقوت، حينما يخيم الليل عليها يحرك الرعد سكونها وتضيء البروق عتمتها وتبللها السماء بالمطر، ومع شروق شمسها يتبخر لحنها إلى السماء راسما قوس قزح على ظفائرها تتلفح ألوانه كوشاح على جبينها الوضاء.
كم هي جميلة قريتي في ربيعها وشتائها وصيفها وخريفها، كل عام تتوشح أبها الحلل راسمة على جبينها الحب والحنين، شامخة لم تضمحل بين نظيراتها عبر الأزمنة والدهور ، كنت مجبرا إلى وداعها ذلك الغروب حين مددت يدي إلى يديها أتحسسها حتى أمسكتها ثم افترقا وفي خاطري لقاء آخر. منذ أن غادرتها وقلبي يتجرع الوحشة والأنين حتى جفت مقلتي الباكية وتصحرت شواطئ قلبي ونمت على جنباتها شجيرات الجفاف.
انتظريني سأعود إليك مع تساقط أوراق الخريف حاملا لك أشواقي ولهفتي، وسنعزف سيمفونية العشاق نعلن بها عن فرحتنا، فالغربة لم تنسني ترابك فليس بالوجود ما هو أجمل منك فسبحان الذي صورك وأبدع جمالك.

عطية بن سعيد العمري