تقريب التراث للشباب ضرورة.. و«سوق عكاظ» فرصة لترسيخه

طالبوا بتجارب فكرية تثري المشهد الثقافي .. أدباء ومثقفون:

تقريب التراث للشباب ضرورة.. و«سوق عكاظ» فرصة لترسيخه

صالح شبرق (جدة)

أبرزت الخطوات التطويرية لسوق عكاظ ما تمثله الثقافة العربية من مخزون اتسم بالتسامح وتقبل الآراء والتكاتف العربي. وأكد مثقفون وإعلاميون أن «سوق عكاظ» كان جامعة مفتوحة لتخريج شعراء جدد مؤثرين في المقام الأول في اللغة العربية ومثرين لآلياتها وأدواتها، تفننوا في استنطاق مكانتها الأدبية، وميدانا ضخما لمنافسات شعرية بين أسماء خلدت قصائدها حتى يومنا الحالي، بل أصبحت مرجعا للغة العربية بعد أن باعد التطور المدني بين اللغة العربية وأهلها.
واعتبر أمين عام دارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري أن إعادة بناء سوق عكاظ، سواء البناء المعماري وفق نمط يتسق مع الحاضر، أو البناء الشعري وفق أسسه الأصيلة وتفرعاتها الحديثة، هو إضاءة لمأثر من مآثر الجزيرة العربية الفكرية العديدة، واسترجاع لقيم حضارية عريقة لتدعيم الحاضر المشرق، وهذا سبب رئيسي لحفز مساهمة الدارة في فكرة إعادة السوق إلى الواجهة الثقافية كما كان في عهده الأول، فهذا هدف استراتيجي من أهداف الدارة في استجلاء المآثر المعرفية، سواء المرئية أو غير المرئية من تاريخ الجزيرة العربية، وهذا السوق الذي نتابع نهوضه من جديد إنما هو دعم للنهضة الثقافية التي تعيشها بلادنا، ومن أبرز سماتها التنوع الفكري في إطار إسلامي ضابط للحركة الثقافية.
أما رئيس نادي الباحة الأدبي السابق الشيخ سعد بن عبدالله المليص، فقال: شهد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ سوق عكاظ في صباه، ثم جاءه بعد الوحي داعيا إلى الله، وقيل إنه ظل لعشر سنوات يحضر مواسم سوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي مجاز ــ حيث يؤم الحجاج هذه الأسواق الثلاثة ــ يدعوهم إلى الإسلام ويبلغ رسالة ربه ــ عز وجل، وفي سوق عكاظ إبان العصر الجاهلي استجار الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ببني عامر فأجاروه.
وفي الوقت الذي أكد فيه الباحث الدكتور زيد الفضيل أن فتح مساحات جديدة أمام المثقفين العرب في العصر الحديث لإظهار تجارب ثقافية جديدة تغذي المشهد الثقافي، فإن الأكاديمي الدكتور صالح زياد الغامدي رأى أن «عكاظ» علم تاريخي ثقافي لا يجهله إلا من يجهل التاريخ العربي، فالمهرجان من أهم المهرجانات العربية التي عرفت بالأصالة والشعر العربي، الذي كان ديوان العرب ووسيلة إعلامهم في تلك الفترة.
ولفت الباحث والأكاديمي الدكتور زيد الفضيل إلى ضرورة استغلال كل مناسبة اجتماعية وتربوية ورياضية من أجل التأكيد على خطورة كل عمل يفسد المجتمع ويدخل الضرر عليه سواء بالقتل أو التدمير. وعن رأيه في تخصيص ندوة ضمن نشاط سوق عكاظ لهذا العام لتحصين وتوعية الشباب بمخاطر الإرهاب قال: إن مناسبة كسوق عكاظ تهتم بالأدب والشعر والثقافة، يمكن الاستفادة منها في التوعية بمخاطر الإرهاب وتعزيز الأمن الفكري، مقترحا الاستفادة من الجادة وتقديم عروض تمثيلية رمزية لأهمية التسامح، وقيمة القبول بالرأي الآخر، كذلك عرض لوحات فنية تعكس الموضوع وتعبر عنه، سواء عبر الفن التشكيلي أو التصوير الضوئي، والأهم أن تتضمن المسرحية الرئيسية للسوق هذه القيم وتلك المضامين التي من شأنها أن تعزز مفاهيم الأمن الفكري.
من جانبه، قال نائب رئيس الجمعية السعودية للفنون التشكيلية فيصل الزهراني: «إن تأثر المجتمع بالأدب والثقافة يحتاج إلى حلقة وصل بين الثقافات داخل المملكة وخارجها، ويعتبر (سوق عكاظ) من أهمها، كونه يسهم بشكل كبير في نقل الثقافات عبر الأجيال ويشكل أيضا حلقة الوصل فيما بينها»، مشيرا إلى أنه تظاهرة فكرية وثقافية اجتماعية، تفتح آفاقا جديدة للتحاور حول هموم الأمة والسياسة والأدب والفكر، والمشكلات والتحديات التي تواجه الأمة، فضلا عن أنه يربط حاضر المملكة الزاهر بماضيها العريق. وذكر العميد المتقاعد وأستاذ أصول التربية الدكتور محمد شحات الخطيب أن عقد الندوات والمؤتمرات والملتقيات العلمية والفكرية الحوارية وغيرها، يساعد كثيرا على تجاوز المداخل التي قد يلج منها الفكر المتطرف، مقترحا أن تقوم المهرجانات ومركز الحوار الوطني بجهود إضافية من أجل مزيد من اللقاءات العلمية والمسابقات الثقافية، التي تعزز مفاهيم الانتماء للوطن على هدي الشريعة الإسلامية.
وأكد وجوب تكاتف الجامعات والوزارات لإقامة لقاءات علمية من شأنها الارتقاء بالفهم السياسي للسياسات العالمية، لتعزيز الولاء والفهم الصحيح للسياسات المحلية والأنشطة الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والأمن وتبين أهدافها وأساليب عملها، منوها بأهمية استثمار المناسبات الوطنية والمنابر الجامعية والأنشطة الثقافية، ومن بينها الحدث الثقافي سوق عكاظ لتحصين الشباب من خطر الإرهاب.
ورأت عضوة هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة سامية محمد العمودي أن الوقت حان للبدء في نشر الفكر المعتدل الذي يعتبر من صميم العمل الأكاديمي، مشيرة إلى أن سوق عكاظ فرصة سانحة لتوعية الشباب من مخاطر الإرهاب، ولا سيما أن وزارة التعليم العالي ممثلة في جامعة الطائف إحدى ركائز السوق والمعنية أيضا بالشأن الثقافي في السوق.
وأكد نائب رئيس اللجنة الإعلامية بنادي مكة الثقافي الأدبي الدكتور خضر اللحياني أن «سوق عكاظ» حاضن للكثير من الأعمال الأدبية الشابة، خصوصا الباحثة عن الاستمرار في محفل يضم المهتمين بالأدب والشعر من داخل المملكة وخارجها، مقترحا أن يتوسع انتشار السوق على مستوى الوطن العربي لما يتمتع به من تاريخ طويل وعريق وله مدلولاته التاريخية، علاوة على تنوع الفعاليات التي ستخدم عروس المصايف في الشق الثقافي بصورة أكثر تميزا في ظل التطورات التي يشهدها السوق بشكل سنوي.