يا عسل (دوعان)
الأحد / 27 / ربيع الأول / 1436 هـ الاحد 18 يناير 2015 22:59
مشعل السديري
يحصل في منطقة (جازان) كل سنة احتفال أو مهرجان بموسم (العسل)، وهل هناك أحلى وألذ من العسل؟!
الواقع، ورغم ذلك، فلست ممن يتعاطاه كثيرا، وهناك احتمال أن ليس لي (بالحلوين نصيب) ــ هذا من ناحية ــ والحقيقة أنني لا أعدو إلا أن أكون مجرد (ذواقة) أعرف صحيحه من مغشوشه بالحدس لا بالخبرة.
عموما، ربي يسر لي رجلا شهما في تلك المنطقة لديه (مناحل) جيدة يتناقلها هو سنويا، من مرتفعات عسير شتاء ويهبط بها إلى سهول تهامة الدافئة، وصيفا يحملها من السهول ويرقى بها إلى الجبال الباردة، لم أجد هناك مربيا يدلع نحله أكثر من ذلك الرجل.
وفي كل موسم لا ينساني ــ جزاه الله خيرا، ويبعث لي بما جادت به يمناه، وأكثر من يفرح بتلك (الهدية) هم أهل بيتي وأقاربهم وأقل من القليل من أصدقائي، وأنا ــ على فكرة ــ من أبخل الناس بالتفريط بهذا السائل الذي ذكره القرآن الكريم، وأكد أنه شفاء للناس ــ خصوصا للقلوب العاشقة المريضة، وبما أنني مصاب بهذا الداء العضال؛ لهذا ألعق كل صباح ملعقه شاي صغيرة منه، وبعده أتناول سبع زيتونات.
كلما حاولت أن أدخل في الموضوع أجد نفسي وقد خرجت منه تلقائيا، وإلا ما دخل العسل بالزيتون والطرشي مثلا؟!، أكيد أنني (مهوي) وأنا لا أدري.
على أية حال، وقبل أن أنسى، فلا يمكن أن أنسى الشيخ (مرعي بن محفوظ)، وهو الرجل المعطاء ذو الخصال الحميدة، الذي ما فتئ في كل عام يرسل لي خمس علب من العسل الحضرمي الممتاز بشمعه، وهو الذي يعلو ولا يعلى عليه، خصوصا وهو يتغذى على أشجار السدر والبر والحرمل، وبالذات من وادي (دوعان)، ولا أظن أن هناك بقعة من بقاع العالم أنسب منها للنحل، أجزم أن الشيخ مرعي لا يريدني أن أذكر اسمه، ولكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقلما ذكرت أحدا، ولي الآن ــ والحمد لله ــ عدة أعوام مكتفيا اكتفاء ذاتيا، ولا أذكر أنني اشتريت كيلو عسل واحدا من السوق.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ولكي أخرجكم من حياتي الخاصة التي لا تعنيكم لا من قريب أو بعيد أقول: إنه ورد في تاريخ (الحميدي) ذكر عن موقعة (نهاوند)، التي قتل فيها (القعقاع بن عمرو) قائد الفرس (الفيرزان)، وبعد قتله انهزم جيش الفرس وغنم جيش المسلمين غنائم كبيرة، أهمها مئات البغال والحمير التي كانت محملة بجرار العسل الكثيرة، وكانت فرحتهم بهذه الغنيمة الحلوة لا تضاهى، إلى درجة أن أحد الجنود أخذ يصيح مهللا مكبرا وهو يلعق العسل قائلا: إن لله جنودا من عسل.
الكارثة التي حصلت بعد ذلك أن الغالبية العظمى من جنود المسلمين أخذوا يتسابقون على الجرار، ويشربون العسل منها شربا بدون حساب ــ وبما أن أغلبهم كانوا من الأعراب الحديثي الدخول بالإسلام، وليسوا متعودين على العسل ــ فقد عصفت بهم (بطونهم)، وانطرح أغلبهم تحت ظلال الأشجار على الأرض، وتوقفوا على ملاحقة الجيش المهزوم، وأصبحوا أشبه ما يكونون بالمثل الشعبي الدارج: (عنز بدو طاحت بمريس).
Meshal.m.sud.1@gmail.com
الواقع، ورغم ذلك، فلست ممن يتعاطاه كثيرا، وهناك احتمال أن ليس لي (بالحلوين نصيب) ــ هذا من ناحية ــ والحقيقة أنني لا أعدو إلا أن أكون مجرد (ذواقة) أعرف صحيحه من مغشوشه بالحدس لا بالخبرة.
عموما، ربي يسر لي رجلا شهما في تلك المنطقة لديه (مناحل) جيدة يتناقلها هو سنويا، من مرتفعات عسير شتاء ويهبط بها إلى سهول تهامة الدافئة، وصيفا يحملها من السهول ويرقى بها إلى الجبال الباردة، لم أجد هناك مربيا يدلع نحله أكثر من ذلك الرجل.
وفي كل موسم لا ينساني ــ جزاه الله خيرا، ويبعث لي بما جادت به يمناه، وأكثر من يفرح بتلك (الهدية) هم أهل بيتي وأقاربهم وأقل من القليل من أصدقائي، وأنا ــ على فكرة ــ من أبخل الناس بالتفريط بهذا السائل الذي ذكره القرآن الكريم، وأكد أنه شفاء للناس ــ خصوصا للقلوب العاشقة المريضة، وبما أنني مصاب بهذا الداء العضال؛ لهذا ألعق كل صباح ملعقه شاي صغيرة منه، وبعده أتناول سبع زيتونات.
كلما حاولت أن أدخل في الموضوع أجد نفسي وقد خرجت منه تلقائيا، وإلا ما دخل العسل بالزيتون والطرشي مثلا؟!، أكيد أنني (مهوي) وأنا لا أدري.
على أية حال، وقبل أن أنسى، فلا يمكن أن أنسى الشيخ (مرعي بن محفوظ)، وهو الرجل المعطاء ذو الخصال الحميدة، الذي ما فتئ في كل عام يرسل لي خمس علب من العسل الحضرمي الممتاز بشمعه، وهو الذي يعلو ولا يعلى عليه، خصوصا وهو يتغذى على أشجار السدر والبر والحرمل، وبالذات من وادي (دوعان)، ولا أظن أن هناك بقعة من بقاع العالم أنسب منها للنحل، أجزم أن الشيخ مرعي لا يريدني أن أذكر اسمه، ولكن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، وقلما ذكرت أحدا، ولي الآن ــ والحمد لله ــ عدة أعوام مكتفيا اكتفاء ذاتيا، ولا أذكر أنني اشتريت كيلو عسل واحدا من السوق.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ولكي أخرجكم من حياتي الخاصة التي لا تعنيكم لا من قريب أو بعيد أقول: إنه ورد في تاريخ (الحميدي) ذكر عن موقعة (نهاوند)، التي قتل فيها (القعقاع بن عمرو) قائد الفرس (الفيرزان)، وبعد قتله انهزم جيش الفرس وغنم جيش المسلمين غنائم كبيرة، أهمها مئات البغال والحمير التي كانت محملة بجرار العسل الكثيرة، وكانت فرحتهم بهذه الغنيمة الحلوة لا تضاهى، إلى درجة أن أحد الجنود أخذ يصيح مهللا مكبرا وهو يلعق العسل قائلا: إن لله جنودا من عسل.
الكارثة التي حصلت بعد ذلك أن الغالبية العظمى من جنود المسلمين أخذوا يتسابقون على الجرار، ويشربون العسل منها شربا بدون حساب ــ وبما أن أغلبهم كانوا من الأعراب الحديثي الدخول بالإسلام، وليسوا متعودين على العسل ــ فقد عصفت بهم (بطونهم)، وانطرح أغلبهم تحت ظلال الأشجار على الأرض، وتوقفوا على ملاحقة الجيش المهزوم، وأصبحوا أشبه ما يكونون بالمثل الشعبي الدارج: (عنز بدو طاحت بمريس).
Meshal.m.sud.1@gmail.com