مكانة بحجم المكان

احمد عائل فقيهي

•• الزعامات الكبيرة عادة ما تصنع إنجازات كبيرة، وبقدر ضخامة هذه الإنجازات تتحقق قيمة كبرى، هي قيمة حضور هذه الزعامات في الحاضر والمستقبل، وهذا ما حققه رمز الحوار والإصلاح والتنمية عبدالله بن عبدالعزيز عبر حضور لافت محليا وعربيا وعالميا، وهو حضور يرتكز على الصراحة والوضوح والمصداقية والتلقائية، بعيدا عن البهرجة والخداع، إضافة إلى الشعور العالي والشاهق بالمسؤولية الوطنية والقومية..
•• الملك عبدالله بن عبدالعزيز جعل علاقة السلطة ممثلا في شخصه أكثر إنسانية وأكثر إحساسا بالآخرين وأكثر ارتباطا بالناس، وهي حالة استثنائية لملك استثنائي، إذ إن بساطته جعلت منه رمزا لملك كسر النمطية السائدة للحاكم.
لذلك اجتمع الناس على محبة عبدالله بن عبدالعزيز، لقد نقل الملك عبدالله بن عبدالعزيز المملكة في خلال عشر سنوات إلى مراحل متقدمة، بدءا من إنشاء مركز وطني للحوار في الداخل، وكان لي شرف المشاركة في إحدى ندواته في جدة عن «القبلية والمناطقية».. إلى «حوار أتباع الأديان».. ومن إنشاء الجامعات الجديدة والناشئة إلى مشروع الابتعاث إلى الخارج، من مبادرة السلام التي أطلقها في قمة بيروت والتي تحولت إلى مبادرة عربية، إلى فكرة الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد خليجيا، إلى الانفتاح على العالم والوقوف مع مصر في محنتها وأزمتها، وانتهاء بإعطاء المرأة دورا حقيقيا وفاعلا من خلال إدخالها في مجلس الشورى، وغير ذلك من الإنجازات التي أثبت الملك الراحل عبرها ومن خلالها أهمية الالتفات إلى القضايا التي تهم الوطن والمجتمع والأمة ووضعها في الواجهة حتى وصلت إلى قمة العشرين، وهو ما يقتضي الوعي بأهمية هذه الإنجازات التي تحققت في سنوات قليلة قياسا بالسنوات الطويلة التي يمر بها كثير من المجتمعات دون تحقيق أي إنجاز يذكر.
في اعتقادي، سوف يظل الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذاكرة وذكرى في تاريخ المملكة ولحظة زمنية مضيئة وخلاقة في الذهنية السعودية والعربية والإسلامية نتيجة هذا الحب الجارف والاحترام الكبير له على المستوى الشخصي من الكبار والصغار، وهي حالة استثنائية لرجل أجمع الناس على محبته بكافة الأطياف، وهذا الحضور العربي والإقليمي والعالمي في تقديم واجب العزاء يدلل على مكانة وحجم المملكة دوليا، ممثلا في رجل ارتفع إلى تلك المكانة وهذا الحجم من خلال الأعمال الكبيرة التي أنجزها، والتي تجاوز بها الواقع الاجتماعي السائد.
•• هذه المكانة التي مثلها عبدالله بن عبدالعزيز هي ناتج حجم المكان الذي ينتمي إليه، يتجلى ذلك في وطن يحمل رمزية دينية وروحية وتاريخا سياسيا ارتكز على قدرة كبيرة على ما يمكن تسميته بالإدارة العميقة للفعل السياسي، مع قوة اقتصادية ومالية وبترولية وموقع جغرافي واستراتيجي ومكون حضاري وثقافي واجتماعي، كل هذه المفردات ساهمت في جعل المملكة تمثل هذا الثقل العالمي، وهو ما ثبت جليا وواضحا.
تحديات كثيرة وكبيرة أمام الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز في الداخل والخارج وسط هذا الخراب الكبير في الوطن العربي، خصوصا أن الملك سلمان بن عبدالعزيز يمتلك من الخبرة الإدارية والمهارة السياسية وتراكم التجربة العريضة والكبيرة ما يجعله قادرا على مواجهة هذه التحديات.
•• وطن ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ومن عهد إلى عهد، وعلينا أن نكون أكثر تفاؤلا بالمستقبل، خصوصا في وجود هذا الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ذلك أن السلم الاجتماعي هو مقدمة وفاتحة لبناء مجتمع أكثر إنتاجا وأكثر اتجاها إلى المستقبل.