الشاعرة السويدية «كارين بوي» .. أصوات كثيرة تتحدث

تقديم وترجمة: سعيد بوكرامي

«يجب أن تكون الحياة قطيعة دائمة وتحطيما مستمرا للقناعات كي تنمو أشياء جديدة» .. هكذا كانت الشاعرة السويدية كارين بوي تعيش الحياة. هذه الحياة التي حاولت تفسير معناها وجدواها دونما نجاح.
تعتبر كارين بوي من أبرز الشعراء الاسكندنافيين وأعظمهم كما وكيفا. عاشت حياة قصيرة مضطربة وممزقة بين محاولة لخلق توازن بين ذاتها الجامحة وطموحاتها المتأرجحة بين الشجاعة الفكرية والجرأة الابداعية وبين هشاشة نفسية تقف دائما على الحافة. كان تمردها الجارف يقودها نحو الانتماء إلى اليسار الراديكالي، وتجلى ذلك في صراعها العنيف ضد الأفكار التقليدية والرجعية. كانت كارين بوي تجسد نموذجا للصراع التراجيدي بين الحلم والواقع. هذا الصراع الذي يبحث باستماتة عن معنى الحياة وهل تستحق فعلا أن تعاش؟ كانت تحاول رغم الإكراهات أن تعيش حياتها اليومية والإبداعية بحرية تقود إلى اكتشاف العالم والذات لتعريتها من مساحيقها. الحرية أن نكون كما نريد أن نكون، لا أن نكون كما يريد لنا آخرون أن نكون. وكانت قصائد كارين تحمل هذه الموسيقى السرية المتمردة المشبعة بالمرارة والاستنارة، تارة نسمع صوتها الممزق، وتارة نسمع صوت الأرض المكلومة.
ولدت كارين ماريا بوي بمدينة غوتيبورغ في 26 أكتوبر 1900، لكنها ترعرعت في ستوكهولم التي انتقلت إليها سنة 1909 عقب مشاكل صحية ألمت بوالدها. كانت أسرتها ميسورة تتألف من مهندسين وديبلوماسيين، فتلقت تعليما جيدا. في سن العاشرة شرعت تكتب وترسم، وفي 1918 ألفت كتابا تكريما لجدها الذي كانت تكن له محبة كبيرة. كان عبارة عن قصائد وقصص مرفقة برسوم. ستهتم بالنقاشات الثقافية والفكرية معلنة رفضها لسياسة بلدها الثقافية المحافظة، ما دفعها إلى الانخراط في اليسار الثقافي والسياسي.
في 1922 صدر ديوانها الأول «غيوم» ، وفي سنة 1924 نشرت ديوانها الثاني «أقاليم مخبأة» . ثم ديوان «المساكن» في سنة 1926، وفي سنة 1928 حصلت على شهادة نهاية الدراسة الجامعية في مادة التاريخ.
خلال إقامتها في مدينة «أوبسالا» انضمت إلى المنظمة الاشتراكية التي أسسها بفرنسا الروائي هنري باربوس، وفي نفس الآن شرعت تكتب بمجلته ما بين 1928 و1930. ستصدر فيما بعد خمسة كتب تتوزع بين القصة والرواية. وأشهرها رواية «كالوكايين» التي ما زالت تحظى باهتمام كبير.
في سنة 1941 استسلمت ليأسها الدفين، مقررة إخماد نيران الحياة.
كان ديوانها الأخير» فوق الأرض كما في الجحيم» إعلانا بهذه النهاية المرتقبة.

في الظلمة
في الظلمة أقف وأصغي
كيف تدق الساعات في الخارج
دقات طويلة، وثقيلة، ومنتظمة،
كتنفس الظلمة العميق.
تصم الجميع وتنعس كل شيء
وتكسر أشكال الأشياء الضبابية
بدقات طويلة، وثقيلة، ومنتظمة،
التي لا تزول عنها الأفكار.
أنا واحدة منهم وأنا بالكاد
أعرف قليلا ــ وأتذكر فقط
نبض قلب الظل القديم،
لا تنتظر يوم غد.
أصوات كثيرة تتحدث
أصوات كثيرة تتحدث
صوتك كالماء.
صوتك كالمطر،
عندما يسقط في الليل.
عزف عميق،
يغرق مؤقتا
ببطء، وتردد،
مفعم بالحياة، بشكل مؤلم.
متموجة كالبرك
وراء الأصوات كلها،
تسيل وتتدفق
صوبي،
تلتف حولي بلطف،
وتنحبس في أعماقي،
وفي أذني
تهمس بالذكريات.
أريد أن أجلس بسكون
حيث لن أزعجكم
أريد أن أعيش وأعمل
أين يمكنني سماعكم
أصوات كثيرة تتحدث.
بفضلها جميعها
لم أسمع إلا صوتك
الشبيه بهطول الأمطار ليلا.
لو كان بمقدوري أن أرافقك إلى الأقاصي
لو كان بمقدوري أن أرافقك إلى الأقاصي
إلى أبعد مما تعرفه
أبعد من عزلة العالم
لنذهب إلى الأماكن الأشد نأيا
حيث يتدحرج على الطريق اللبني زبد برّاق
وحيث الفضاء المدوخ
تبحث عن بيت.
أدرك أن ذلك مستحيل.
لكن حال تعميدك
ستعلو منك هزات عمياء،
في أنحاء الفضاء جميعه
سأسمع صراخك،
وسأكون دفئك الجديد،
سأكون حضنك الجديد،
سأكون بالقرب منك في عالم مختلف
بين أشياء تولد من جديد.
عندما يسود الصمت
عندما يسود الصمت، عذبا كغابات الشتاء المشمسة.
كيف ستكبر أماني وتصبح أكثر وثوقا وكينونتي أكثر طاعة؟
أحمل بين يدي وعاء منقوشا بزجاج رنان.
ثم أصبحت قدماي أشد حذرا كي لا تتعثر أبدا.
ثم، أصبحت يداي أشد حرصا كي لا ترتعش أبدا.
ثم جرفني السيل بعيدا بسبب هشاشة
الأشياء الشديدة.
تشيلو الليل العميق
تشيلو الليل العميق
يسدل بعنف فرحه المظلم على الأرجاء جميعها
الصور المتسترة من الأشياء تذوب أشكالها
بين موجات الضوء الكوني.
تتضخم، متوهجة طويلا،
تغتسل موجة بعد موجة عبر ليل الخلود الأزرق.
أنت! أنت! أنت!
أيتها المادة المنعدمة التوازن اكتسبي روعة، بإيقاع مزهر من الزبد،
اندفعي إلى الأعالي، حيث حلم الأحلام المذهلة،
الذي يعشي ببياضه!
أنا نورس، يريح، أجنحته المرهقة
أرشف ملح البحر المباركة
أقصى الشرق من كل ما أعرفه
بعيدا إلى الغرب عما نريده جميعا،
لنمسح قلب العالم ــ
من البياض المعشي!