صحة الوسائل وصحة الغايات

أسامة خياط

المسلم الحق هو الذي يعبد الله على بصيرة مخلصا دينه لله، مبتغيا رضوانه، ونزول الجنة دار كرامته ومستقر رحمته، ومثوى أوليائه والصفوة من خلقه، فهو ــ في عبادته ــ شديد الحرص على متابعة رسول رب العالمين ــ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ــ فهو يستمسك بهديه عليه الصلاة والسلام، ويتأسى به في جليل الأمر وحقيره، وفي صغيره وكبيره؛ حذرا من أن يحبط عمله، أو يضِل سعيه، أو يرد عمله، واضعا نصب عينيه قول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها].
وفي لفظ لمسلم رحمه الله: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود على فاعله.
ولذا؛ فإن من تقرب إلى الله تعالى بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة، فعمله ــ كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله ــ : «باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية ــ أي صفيرا وتصفيقا ــ وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية.
بل إن العمل الذي عده الشارع قربة في عبادةٍ، لا يكون قربة في غيرها مطلقا في كل الأحوال؛ فقد رأى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ رجلا قائما في الشمس، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم؛ فقال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «مروه فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه» أخرجه البخاري في صحيحه.
فلم يجعل ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ قيام هذا الرجل وبروزه للشمس قربة يفي بنذرها، مع أن القيام عبادة في مواضع أخر، كالصلاة والأذان والدعاء بعرفة، ومع أن البروز للشمس ــ أيضا ــ قربة للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها» انتهى كلامه رحمه الله.
وفي اكتساب المال لإنفاقه في وجوه المنافع جاء تحريم كل المكاسب الخبيثة الناشئة عن وسائل محرمة.
ومن ذلك: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام كما جاء في الحديث عن جابر بن عبدالله ــ رضي الله عنهما ــ أنه سمع رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» الحديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
ومن ذلك: تحريم ثمن الكلب ومهـر البغي ــ وهو ما تأخذه لقاء فجورها ــ وحلوان الكاهن ــ وهو ما يأخذه لقاء كهانته ــ وهو ما جاء في الصحيحين من حديث أبي مسعود الأنصاري ــ رضي الله عنه ــ .
ومن ذلك: تحريم كل كسبٍ نشأ عن غش الناس، والتلبيس عليهم، كما جاء في صحيح مسلم ــ رحمه الله ــ عن أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ مر على صبرةٍ من طعام ــ وهي الطعام المجموع إلى بعض ــ فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟!» قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس منا».
ومن ذلك: تحريم التداوي بمحرم كالخمر وما في معناها، ففي صحيح مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن الخمر فنهاه عنها أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء! فقال ــ صلى الله عليه وسلم ــ : «إنه ليس بدواء، ولكنه داء».
والحكمة في ذلك كما قال الإمام ابن القيم ــ رحمه الله ــ : «أن تحريم الشيء يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع».
وكل أولئك ظاهر الدلالة على وجوب سلوك السبيل الصحيح المشروع لبلوغ الغاية الصحيحة المشروعة؛ إذ لا انفصال ولا انفصام في دين الإسلام بين الوسائل والغايات، وبين المقاصد والسبل.. والله الموفق.