الحل هو التمويل الصحي لا التأمين الصحي!

عبدالاله الهوساوي

بالأمس القريب ناقش برنامج «الثامنة» أحد أكثر المواضيع أهمية وإثارة للجدل في المجتمع السعودي عموما، وفي القطاع الصحي السعودي على وجه الخصوص، ألا وهو الموضوع «القديم الجديد»: التأمين الصحي.
لن أتطرق في هذا المقال إلى التعليق على ما قيل في الحلقة، ولكنني بصدد الحديث عن الكثير من الأمور المهمة «التي لم تناقش في الحلقة». تحدثنا في المملكة كثيرا عن التأمين الصحي ولكن الموضوع المهم جدا والأكثر فائدة للمواطن السعودي، الذي نحتاج الحديث عنه هو: «التمويل الصحي الاستراتيجي»، الذي يعنى بتطوير الجودة الصحية، وتحسين مخرجات القطاع الصحي ورضا المواطنين عنه. وسأحاول شرح الموضوع بشيء من التوضيح: ينظر خبراء الاقتصاد الصحي لمجال التمويل الصحي على أنه عملية كبيرة ذات ثلاث محاور:
- المحور الأول: استدرار الإيرادات اللازمة للصحة.
- المحور الثاني: تجميع الموارد من مصادرها المختلفة.
- المحور الثالث: شراء الخدمات الصحية.
بالنسبة للمحور الأول في التمويل الصحي وهو استدرار الإيرادات لا يشكل حاليا مشكلة للمملكة، حيث قد من الله عليها بخيرات البترول والغاز الطبيعي، ولكن من المهم علينا التركيز على استراتيجيات لضمان «الاستمرارية» في جمع الإيرادات، ومن بين هذه الاستراتيجيات النظر إلى كيفية جعل القطاع الصحي مساهما في إنتاج بعض موارده المادية بدل أن يكون فقط قطاعا مستهلكا لها. أما بخصوص المحورين الثاني والثالث فيعتبران من مناطق ضعف القطاع الصحي السعودي اللذين من الممكن أن نحدث فيهما الكثير من التحسين إذا وضعت لهما الاستراتيجيات التطويرية المناسبة. تجميع الموارد من المصادر المختلفة (المحور الثاني) يمكن تشبيهه بخزنة البنك الكبيرة السعة والأمينة التي تعطي للدولة قوة استراتيجية تمكنها من شراء الخدمة الصحية (المحور الثالث) بطريقة فعالة مع ضمان تحسين الجودة لمستخدمي القطاع الصحي والتقليل من الهدر. سأتحدث فيما تبقى عن بعض الحلول العملية التي من الضروري وجودها في أي «استراتيجية تمويل صحي»:
- الإسراع بإنشاء «الحسابات الصحية الوطنية» كخطوة أولى نحو التمويل الاستراتيجي.
- فصل ممولي الخدمة عن مشتريي الخدمة عن مقدمي الخدمة.
- إنشاء صندوق للتأمين الصحي التعاوني، تتم إدارته من جهة حكومية مستقلة.
- يقوم الصندوق بدور مفصلي في تحسين الجودة لدى مقدمي الخدمة الصحية وذلك عن طريق تعويض المستشفيات مقابل الخدمة بناء على مستوى الأداء (الكيف لا الكم!).
- تطوير النظم الصحية المعلوماتية في المستشفيات وما يتماشى مع متطلبات التمويل الاستراتيجي.
- تطوير القيادات الطبية في المستشفيات، خصوصا الكوادر المعنية بالأمور المالية كالمحاسبين لتتمكن من تطبيق التمويل الصحي الاستراتيجي بطريقة صحيحة.
- تعديل لائحة الممارسين الطبيين بما يتماشى مع التمويل الصحي الاستراتيجي.
هنالك ركائز أساسية لأي نظام صحي فعال تتلخص في الآتي:
- طريقة تقديم الخدمة الصحية: بمعنى آخر ما نوع المشاكل الصحية (تدعيمية، وقائية، علاجية، تأهيلية) التي يعالجها النظام الصحي وفي أي منشأة صحية (مركز رعاية صحية أولية، مستشفى، رعاية صحية منزلية) يتم العلاج.
- جاهزية القيادات الصحية: سواء كانت في الوزارة أو مديريات الشؤون الصحية أو المستشفيات والمختبرات ومراكز الرعاية الصحية.
- النظم الصحية المعلوماتية.
- التكنولوجيا الطبية: من أدوية وأجهزة ومعدات طبية.
- الموارد البشرية والقوى العاملة الصحية وكفاءتها.
- «التمويل الصحي الاستراتيجي».
فكما يتبين لنا أن التمويل الصحي وليس «التأمين الصحي» هو عبارة عن جزء بسيط من منظومة كبيرة تسمى النظام الصحي وتبسيط الموضوع في سؤال: هل أنت مع التأمين الصحي أو ضده؟ لا يخدم الوطن ولا المواطن.
أتمنى أن يقوم الإعلام (المقروء والمشاهد والمسموع) بدوره الضروري جداً في طرح مشاكل «القطاع الصحي السعودي» التي هي أكبر بكثير من مشاكل «وزارة الصحة السعودية» بطريقة علمية صحيحة لإثراء الحوار والتركيز على الحلول الجذرية النافعة!.