دور الأمانات خدمة المجتمع وليس المتاجرة فيه

عبدالله دحلان

الأصل في إحياء الأرض تحويلها من أرض لا منفعة فيها إلى أرض ذات منفعة. والمنفعة عندما تكون عامة يستفيد منها المجتمع أكبر وأفضل من المنفعة الخاصة والفردية والإحياء شرعا حسب الحديث الشريف (من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق). والتحايل في إحياء الأرض للمتاجرة فيها له طرق ووسائل متعددة وله خبراء متخصصون ومقاولون منفذون وبعض من المتنفذين في الأجهزة المعنية. وكم من الآلاف ومئات الآلاف وملايين الأمتار من الأراضي في الصحراء وأطراف المدن وحول الطرق السريعة ومسارات القطارات وحول بعض المشاريع المستقبلية وغير المعلن عنها ولا يعرفها إلا تجار إحياء الأراضي استغلت على مبدأ الإحياء وأصبح يملكها أفراد وخلفهم جماعات متخصصة واستطاعوا أن يستصدروا وثائق تملك لأراضٍ زراعية بحجة الإحياء للأرض بشهود اثنين أو لجنة مكونة من اثنين لتتأكد أنه تم الإحياء من خلال حفر بئر ارتوازية لتوفير بعض من الماء للزراعة وزرع بعض من الأشجار والنخل على رأسها وتسوير المزارع بعقوم ترابية وتركها لسنوات طويلة وعندما يصل العمران حولها طالب أصحابها بتحويل وثائقهم إلى صكوك تملك شرعية لمزارعهم بناء على وثائق التملك التي اشتروا بها الأراضي من مزارعين بسطاء بثمن بخس، وبقوة النفوذ والعلاقات مع بعض من الفساد تحولت هذه الوثائق إلى صكوك ملكية وتقدم أصحابها للأمانات بطلب تحويلها من مزارع إلى أراضٍ سكنية أو تجارية وذلك بحجة أن المنطقة بكاملها تغير تخطيطها لتكون منطقة سكنية. وبعد موافقة وزارة الزراعة بناء على اللجنة المرسلة منها والتي أقرت في الماضي بأنها أرض تم إحياؤها لتكون أرضا زراعية تغير رأيها وتقرر مجددا بأن الأرض غير صالحة لأن تكون زراعية وأن الآبار أو البئر التي تم حفرها استنفدت طاقتها من المخزون المائي وأصبحت الأرض غير مؤهلة لأن تكون زراعية. وبناء عليه توافق الأمانات لتحويلها إلى أرض سكنية أو تجارية ويصدر صك جديد وكروكي وتصريح بناء جديد لأرض سكنية ويتم بيعها من أصحابها وشركائهم بأسعار خيالية. وهكذا تتكرر هذه الحالة ويحرم بقية المواطنين من الاستفادة من هذه الأراضي لبناء مساكن لذوي الدخل المحدود، وفي المقابل الآخر تقوم الأمانات بالإعلان عن رغبتها في تأجير بعض من الأراضي الاستثمارية في المدن أو في المحافظات وتضع الشروط ثم يتم ترسيتها على العرض الأعلى سعرا وممن تنطبق عليهم الشروط من الجادين من رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار في مشاريع تنموية تخدم المواطنين والمجتمع وزواره والمقيمين فيه، ويستثمر بل استثمر بعضهم البلايين من الريالات والبعض الآخر مئات الملايين دون أي مساعدة من الأمانات بل بتعقيدات إجرائية ساهمت في تعطيل بعض المشاريع وفي نهاية المدة الإيجارية تطالب بعض الأمانات باستعادة الأراضي المؤجرة بماعليها من مشاريع بالبلايين بحجة الرغبة في إعادة تخطيطها أو الرغبة في إدارتها أو البحث عن مستثمر جديد لإدارتها بسعر أعلى رغم أن بعضها مشاريع بتقنية عالية أو بخدمات مميزة لا تستطيع الأمانات إدارتها أو تشغيلها ولا الشركات التابعة لها لو عادت الأرض والمشاريع المقامة عليها إلى الأمانات. وهناك بعض المشاريع السياحية الناجحة على الشواطئ سحبت من أصحابها المطورين وكانت في الماضي نموذجا للمشاريع السياحية وعند استرجاع الأمانات لأراضيها المؤجرة توقفت تلك المشاريع وفقدت المدن خدماتها المميزة وهناك حديث يدور عن النية لسحب بعض المشاريع السياحية المميزة القائمة على شاطئ مدينة جدة وهي من أنجح المشاريع الخدمية للسياحة في مدينة جدة وإضافة ثمينة للجانب السياحي في جدة صرف عليها البلايين ولم يستطع المطورون المستثمرون أن يغطوا الحد الأدنى من التكلفة عوضا عن تحقيق الأرباح.
وهناك مشاريع تعليمية تنموية استثمر فيها مئات الملايين ويصعب تحقيق الأرباح في المدة الإيجارية الأولى وهي مرحلة بناء وتشغيل وتسويق والأمثلة كثيرة.. وفي وجهة نظري أن أصحاب المشاريع الاستثمارية التنموية على أراضٍ حكومية ذات منفعة عامة والمستثمرون فيها استثمارات ضخمة هم أولى بتجديد العقود الإيجارية لمدة أو مدد أخرى بزيادة إيجارية عادلة وليست مضاعفات السعر الأصلي لأن بعض المشاريع لا تتحمل تكاليف إضافية مبالغ فيها، والأصل في دور الأمانات لتأجير الاراضي هو تقديم بعض الخدمات الأساسية للمحافظة من خلال شركات ومؤسسات القطاع الخاص شريطة أن تكون ذات منفعة عامة وليس عمل الأمانات المتاجرة في الأراضي أو إنشاء الشركات الاستثمارية لتنافس القطاع الخاص في أعماله داخل المدينة. ولم نـر حتى تاريخه أي نتائج على أرض الواقع لأعمال هذه الشركات بل استحوذت على كميات كبيرة من الأراضي الحكومية كان بالإمكان أن يقوم القطاع الخاص بتطويرها منذ سنوات.