نزاهتنا على المحك

عبدالمحسن هلال

بداية أود توجيه التحية لمعالي رئيس هيئة مكافحة الفساد السابق الأستاذ محمد الشريف، وهو الرجل المشهود له بالنزاهة والعمل الدؤوب لإنجاز ما أوكل إليه من أعمال، برغم ما كان يقرأه معاليه صبح مساء من نقد لأعمال الهيئة، فله الشكر والتقدير على ما بذله من جهد وعمل طوال توليه مسؤوليته الجسيمة، ولعلي انتهزها فرصة للترحيب بالرئيس الجيد للهيئة الدكتور خالد المحيسن داعيا الله له بالتوفيق والسداد.
من أكثر المواضيع التي كان الاختلاف حولها مع الهيئة سابقا موضوع التشهير بالفاسدين، حيث كانت وجهة النظر المتبناة أن التشهير يعتبر عقوبة متعدية، بمعنى مضاعفة وقد تنال أسرة الفاسد وكأن الهيئة أكثر رأفة وحرصا ورحمة على أهل الفاسد من المسؤول عنها خائن الأمانة. وبرغم الحجج التي سيقت للهيئة بقيام جهات عدة حكومية بالتشهير، منها وزارة الداخلية للمزورين والتجارة للتجار الجشعين الغاشين وغيرهما كثير، إلا أن موقف الهيئة ظل راسخا. اليوم تتزايد هذه الجهات التي تشهر بالفاسدين، حيث أعلنت وزارة العمل عن قرب البدء في التشهير بمنتهكي حقوق العمالة المنزلية، ومجلس الشورى يدرس التشهير والسجن والغرامة لمرتكبي الجرائم المعلوماتية، بل وحتى التشهير بالمحتطبين والصيادين في المناطق المحمية، وما أولى مجلس شورانا الموقر اقتراح التشهير بالفاسدين على ولي الأمر لرفع الحرج، إن كان ثمة حرج، عن هيئة نزاهة، فالفاسدون ضررهم أشد وأنكى على المجتمع من كل من يفكر المجلس بالتشهير بهم.
ولنا في حدود ديننا الإسلامي خير شفيع للحد من شرور الساعين في الأرض فسادا، حيث طالب المشرع أن يشهد عذابهم بالجلد وخلافه العامة قبل الخاصة كعامل ردع لغيرهم قبل أن يكون جزاء لهم. لذا فالأمل كبير في الرئاسة الجديدة لهيئة مكافحة الفساد أن تعيد النظر في موقف الهيئة السابق غير المتوافق مع رؤية معظم أجهزة الدولة، لوقف هذه الدرجة من الفساد، وحتى لو اكتفينا بما تعلنه هيئات الرقابة الداخلية فإنه مركز لا يليق بسمعتنا في المحافل الدولية. فاسد الذمة ماليا أشد ضررا من فاسد الأخلاق، الأخير ربما يكون ضرره على نفسه وربما على نفر قليل ممن مسهم فساده، بينما فاسد الذمة المالية، بكل صنوفها، هدر أو سرقة المال العام أو استغلال المنصب وخلافه، يبلغ فساده جموعا عظيمة من المواطنين وربما يعطل مسار تنمية واستفادة ملايين منها.