الحجر من الأرض والدم من رأسه

ياسر سلامة

غريب حال الشاب المقبل على الزواج ورأسه وألف سيف أن تكون شقته في بداية حياته الزوجية لا تقل عن خمس غرف أو أكثر، ورغم أنه لا نقاش في ما هو مأثور من أن المسكن الواسع من السعادة، وأن المسكن الضيق من الشقاوة، إلا أن هذا من المؤكد للقادر، إما أن يتكلف الشاب البسيط في بداية حياته ما هو فوق طاقته ويتحمل الديون ليرضي أعرافا وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ولا تناسب العصر، فهذه هي الإساءة بعينها مع النفس.
الشاب صاحب درجة البكالوريوس في المتوسط راتبه لا يتجاوز الثمانية آلاف ريال عند تعيينه، وقد يكون أقل، هذا إن وجد الوظيفة حال تخرجه، بينما أسعار إيجارات الشقق تضاعفت في الخمس سنوات الأخيرة ولم يتضاعف معها الراتب.
متوسط أسعار إيجارات الشقق الخمس غرف بمنافعها تجاوز الثلاثين ألف ريال، ووصل بعضها في البنايات الجديدة في أحياء شمال غرب جدة إلى المائة ألف ريال وأكثر، ومن لا يصدق أو يشكك في ذلك يذهب لمنطقة العمائر الجديدة في حي الزهراء ليرى ويسمع ما لم يكن يتوقعه.
لا يعقل أن يذهب ما يقارب أربعين في المائة أو أكثر من راتب الشاب مقابل إيجار عش الزوجية، وتضيق بعدها عليه ميزانيته وحياته ويعاني بسبب ثقافة مجتمع انتهت بفرض الأمر الواقع المتمثل في تضخم أسعار إيجارات الشقق والفلل السكنية، والسكن اليوم كما هو معلوم الأكثر تكلفة على الإطلاق في حياة كل من لم يملك سكنا أو بيت العمر.
متى ندرك أن أجمل الغرف في بيوتنا مغلقة طوال السنة، لأننا ببساطة بخلنا بها على أنفسنا وجعلناها للضيوف النادر أو القليل تواجدهم واستقبالهم في هذه الغرف المطلة في العادة على الشارع أو الحديقة أو على (حوش) البيت.
بيوت كثيرة صوالينها وسفرها لا تفتح إلا مرات معدودة في السنة، ولو فكر أصحاب كثير من هذه البيوت لاكتشفوا أن الغرف التي يستخدمونها فعليا قد تكون أقل من الغرف المغلقة غير المفعلة، وكل هذا على حساب ارتفاع تكاليف النظافة، والصيانة الدورية، وعدد العمالة التي تحتاجها بيوتنا.
ومن يقدر وهو مصر على ثقافة البيت الكبير غير المستخدم، فالحجر من الأرض والدم من رأسه، وما يهمنا هنا الشباب في بداية حياتهم الأسرية المقلدون بغير قدرة، الذين تكفيهم بقليل من العقل والحكمة ثلاث غرف بتشطيب فندقي راق عن خمس أو ست غرف مرهقة، ولكن هل من مجيب.