النصابون قادمون

عبدالله الحارثي

الكل استبشر منذ قيام هيئة الإسكان وحتى تحويلها إلى وزارة بإيجاد تنظيم لسوق العقار يكفل حقوق المستأجر والمالك، في ظل جشع الأخير في استغلال طالبي السكن بمعاونة المكاتب العقارية التي تغرد خارج السرب، لكن هذا لم يتحقق بعد.
في هذا النشاط هناك من يدعي أنه مسوق عقاري ويعيث في هذه المهنة فسادا دون حسيب أو رقيب، كونه لا يخضع لتنظيم أو رقابة وترك فيها الحبل على الغارب، فالمشتري شخص مغلوب على أمره؛ لأن الحاجة ما دفعته أحيانا لبيع أرضه أو منزله أو أنه مضطر لشراء السكن ويريد اختصار الوقت والجهد، وقد يكون ضحية لهؤلاء المرتزقة في سوق تحفه مخاطر الغش والتدليس والنصب والاحتيال.
هذا ينطبق على فئات، ولا يعمم على الكل، لكن الغالبية هم ممن يزاولون هذه الأساليب عبر مكاتبهم غير المرخصة أو عبر مواقع خصصت لغرض التسويق والعرض والمتاجرة.
روى لي أحد الملاك بأنه أنجز بناء مسكنين وأراد السكن في واحد وبيع الآخر، وذات يوم وجد رجلا مسنا يرغب في معاينة المنزل وبرفقته شاب في مقتبل العمر ومكنهما من ذلك، وفي اليوم التالي عاد الشاب لصاحب المنزل وأبلغه بأنه مسوق عقاري والرجل المسن لديه مبلغ متوفر ويحتاج وضع لوحة الصندوق العقاري للحصول على القرض ومن ثم شراء المنزل فوافق المالك.
القصة ليست هنا، بل في مجريات سيناريو النصب الذي وقع فيه المسن، فالشاب قبض مبلغ 50 ألف ريال (عربون) وبعد أسابيع وجد المسن أن معاملته متعثرة وأسرته سوف تتكبد مصاريف التأثيث وقرر العدول عن الشراء، وعاد للمالك يبلغه برغبته، وبدأ البحث عن المسوق الذي توارى عن الأنظار وأغلق هاتفه، وتعاطف المالك مع المسن ووعده بإعادة ما سلب منه، واضطر لرفع قيمة منزله لكي يعيد للمسن مبلغ (العربون) الذي دفعه.
سيقول البعض: «النظام لا يحمي المغفلين» ، وسنجد أقاويل كثيرة تردد إزاء الحالات المشابهة التي يتورط فيها الأطراف الثلاثة «المشتري، المستاجر، والبائع» مع المسوقين أو المكاتب العقارية؛ لأن سوق العقار المحفوف بالمخاطر كما أسلفت فيه تطبق قاعدة المزاجية تحت بند العرض والطلب ويفرز هوامير يتاجرون بالمهنة لدرجة التشويه والإضرار بالمكاتب التي تعمل بشكل نزيه.
أحيانا تكون غلطتك أنك صادق لدرجة تحولك إلى فريسة سهلة في مكاتب مرتزقة العقار، ولا سيما أمام مثل هذه الممارسات، وقد ينظر لك بأنك مغفل، وسنعيد مقولة «النظام لا يحمي المغفلين»، فالثقة في هذا النشاط لا بد أن توضع جانبا، خصوصا أن الأموال تدر عليهم من العمولات بشكل سهل وبدون عناء طالما وجد الطيبون.
فهذا يعرض مسكنه للبيع ويطلب مبلغا متواضعا، لكنه يصدم بعد أيام أن منزل قدره بمبلغ كبير وأثناء إتمام صفقة البيع اكتشف أن العمولات تجاوزت النظام الذي حدد 2.5% وتحولت جلسة المبايعة إلى مجادلة، خلصت إلى أن هناك رسوما إدارية ناجمة عن التسويق «لوحة إعلانية، رسائل جوال للعملاء، ترويج في المطبوعات، أساليب نصب مختلفة،...»؛ لكي يتم الحصول على نسبة 5% وبدون وجه حق شرعي أو نظامي.
أعتقد ــ من وجهة نظر متواضعة ــ أن هذا النشاط وما يمارس فيه يحتاج إلى إعادة نظر، في ظل عدم وجود تشريعات تحمي أطرافه الثلاثة وتنظم العلاقة في حالة البيع والشراء والإيجار لتلافي المبالغات الحالية وتباين الأسعار، بل ويتطلب مزيدا من التنظيمات، بدءا من مراقبة عمليات البيع والشراء والتأجير والعمولات وحماية المواطن البسيط من جشع السماسرة والدخلاء على المهنة، بمن فيهم الوافدون الذين باتوا من المضاربين.