بناء القوة الذاتية

محمد المختار الفال

قبل عدة سنوات، كنت مسؤولا عن صحيفة تصدر في المملكة، موجهة إلى قراء اللغة الأردية في بلادنا، فارتبطت بشؤون القارة الهندية، بكل تعقيداتها ونزاعاتها بين باكستان والهند، وبذلت الكثير من الجهد للاقتراب من قضايا هذا الجزء من العالم؛ حتى أتعرف على أولويات قراء الصحيفة.. وفي إطار محاولات رصد آثار النزاع المسلح بين البلدين على التنمية والتطور والأمن، التقيت بالبروفيسور عبدالقدير خان ــ أبو القنبلة النووية الباكستانية ــ بجهود حثيثة من زملاء باكستانيين..
كان اللقاء عصر يوم من مارس 1998م، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من تاريخ التفجير النووي الباكستاني (28 مايو 1998م). في ذلك اللقاء دار حديث طويل ــ نشر في حينه بصحيفة «أوردونيوز» الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث ــ حول سباق التسلح في القارة الهندية وأضراره على مشاريع التنمية وإلى أي مدى كان ضروريا لصيانة سيادة البلدين وحماية أمنهما.. وكيف استطاعت باكستان أن تحمي مشروعها من الضغوط الخارجية..
وكان مما قاله الدكتور خان: إن صناعة السلاح النووي ليست المعرفة العلمية وحدها، ولا الإمكانيات المالية فقط ــ رغم أهميتها، فهذه الصناعة تعتمد على «شبكة» من مقدمي الخدمة، وأن السنوات العشر التي قضاها في هولندا باحثا علميا مكنته من التعرف على «العالم الخفي» للسوق النووي، الذي وصفه بـ«المافيا»، حيث ينتشر السماسرة والوسطاء والموردون والمهربون إلى جانب العلماء والباحثين..
كان عبدالقدير خان ــ في عصر ذلك اليوم ــ ساخطا على حال الاستكانة التي تعيشها الدول الإسلامية واستسلامها للواقع.. وتساءل ــ بشيء من الغضب ــ كيف تكتفي الدول العربية بالشكوى من امتلاك إسرائيل السلاح النووي ولا تسعى هي لامتلاكه في إطار سياسة الردع المتبادل؟. فجادلناه، بوصفنا صحفيين، بأن الدول الكبرى لن تسمح بذلك، وأن المنطقة لا تحتمل الدخول في سباق نووي يزيدها توترا وقلقا ويصرف جهودها إلى ما يهدر ثرواتها..
استدعت الذاكرة شيئا مما قيل في ذلك اللقاء بمناسبة حديث الرئيس أوباما عن أن الاتفاق مع إيران لن يمكنها من إنتاج السلاح النووي، وهو كلام يحتاج إلى الكثير من العمل لينتقل من دائرة التوجس إلى الاطمئنان. وسبق أن قلت في هذا العمود إن توقف المشروع الإيراني عشر سنوات ورفع الحظر الاقتصادي لا يعني فقدانها القدرة على استئناف المشروع متى ما زالت أسباب التوقف، بل هذه الفترة ــ الاستراحة ــ ستعطيها فرصة للعمل بهدوء في «العالم الخفي» لهذا السوق وتقوية صلاتها بشبكاته على مختلف المستويات..
وهذا يدعو، بصراحة، إلى ضرورة بناء القوة الذاتية من خلال رؤية وطنية تعمل لخلق بيئة علمية تستقطب العقول القادرة على تطوير المعرفة، وبناء شراكات مع أصحاب الخبرة والتطور العلمي؛ من أجل قيام قاعدة للصناعات تزيد الوطن قوة ومتانة.
ولا بد من القول إنه لا أحد يدعو إلى الدخول في «سباق» مع المسار الإيراني الخاطئ، لكن ما الحيلة، إذا كانت تصر عليه وتستعرض قوتها لاستمرار سياستها التوسعية؟
المملكة لا تريد أن تكون دولة قوية لأطماع توسعية؛ لكنها لا تقبل أن تكون مطمعا لأحد ولديها القدرة لخلق آلية تدافع بها عن وطنها ومكتسباته.