زمن الاتحاد

محمد المختار الفال

كل الدلائل تشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من تقاطع المصالح سيرفع من درجات الصراع، ومهما صدر من تطمينات فإنها لا تبدل من حقائق الأشياء ونتائج السياسات المتغيرة، وتبقى حقيقة ثابتة، هي أن القوة الذاتية هي العمود الفقري لأي مواجهة فاعلة مع التحديات..
ومن طبيعة الصراع أنه يولد قوى جديدة بعضها، ناتج عن انحياز المتجانسين لبعضهم من أجل مقاومة العنف الموجه لهم، وبعضها يتولد ذاتيا تحت ضغط الحاجة ولوازم الضرورة.. ومن المتوقع أن تشهد هذه المنطقة، التي نعيش فيها، مولد جبهات وتحالفات لمواجهة المخاطر والتحديات.. وهذه الجبهات بعضها تشكلت ملامحه منذ فترة مثل «الجبهة الإيرانية» التي ضمت - حتى الآن - العراق، وهي تصارع للاحتفاظ بسوريا المتصلة بلبنان برابطة حزب حسن نصر الله، و«أحلامها» في الإبقاء على وكلائها الحوثيين ليظلوا مصدر إزعاج في خاصرة الجزيرة العربية. وهناك جبهة في طور التخلق يمكن أن تضم الكتلة العربية، رغم ظروفها وحالة «السيولة» التي تمر بها، وتشكل دول مجلس التعاون محورها الرئيس..
وهذا المحور - دول مجلس التعاون - يشكل هو نفسه جبهة قائمة بذاتها ولديها كل مقومات الكتلة المؤثرة، من وزن وتجانس في الأنظمة والمجتمعات ووحدة المصير والمهددات الخارجية، ولهذه الدول قابلية التفاعل مع الأحداث والاستجابة لمتطلباتها، فقصة مولد المجلس عام 1981م دليل على هذه القابلية، فقد ولد من رحم الأزمة التي خلقتها الثورة الإيرانية، وهي التي ما تزال تنتج الأزمات.. ومنذ قيام المجلس وشعوبه ودوله يتطلعون إلى تحقيق المزيد على طريق الانسجام والاتفاق وإزالة كل العوائق التي تحول دون فاعلية هذا التكتل الذي قام لخدمة أهداف مجتمعه والتصدي للمخاطر الخارجية، وقد أثبتت الأحداث أن وحدة الموقف تشكل أرضية صلبة للتحرك من أجل مصلحة الجميع، وقرار تحرير الكويت شاهد عملي على أثر وحدة الكلمة والموقف..
وها هو المجلس يسجل سابقة أكدت نجاعتها، حين ذهب إلى مؤتمر كامب ديفيد قبل أيام موحد الإرادة والأهداف والرؤية أمام أكبر دولة، فكان عليها أن تستمع إلى الكلمة الموحدة وتتعامل معها بالذي تستحقه من تقدير في حسابات المصالح.. وهذا يدعونا للقول إن الوقت قد حان لتعيد دول مجلس التعاون ومراكز صنع القرار النظر في دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - إلى تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد التي لم يتحمس لها البعض، إن لم نقل تحفظ عليها.
ها هي ثمرات «الاتحاد» تعطي نتائجها الحقيقية في مواجهة الحوار مع سياسة الإدارة الأمريكية التي قطعت شوطا في اتجاه إيران ومن غير المتوقع أن تتراجع عما قدرت أنه مكاسب لبلادها في التفاهم مع طهران..
لا شك في أن الظروف الحالية وما يتوقع في مستقبل الأيام تدعو إلى تقوية الذات التي من أسبابها اتحاد أهل المصلحة والمصير الواحد، وهو المتحقق في دول مجلس التعاون.. إنه زمن الاتحاد إذا أرادت المنطقة اكتساب قوتها الذاتية التي لا تضطرها إلى انتظار حماية الآخرين.