ضريبة المهنة

محمد المختار الفال

قبل أيام اتصل بي الزميل مراسل عكاظ في اليمن (لم أذكر اسمه خوفا عليه) يخبرني أن الحوثيين يلاحقونه وأن سلامته في خطر، وأنه أصبح مضطرا لتغيير مكان إقامته، في كل يوم حتى لا يحددوا مكان وجوده.. وكنت أشجعه وأرفع معنوياته بأن هذه ضريبة المهنة التي هدفها توفير المعلومات وكشف حقيقة الذين يعملون ضد وطنهم، ولا يعترفون بالأعراف السائدة عالميا.. وخلال المكالمات كنت أشعر أنه يغالب خوفه وقلقه مع حرصه على ضبط ما يصدر منه، لكن لسان حاله يقول: أنت تتحدث من مكتبك المكيف وتذهب إلى بيتك وتبيت مع أولادك آمنا.. والحقيقة أنني كنت أقول ذلك لنفسي وأحمد الله على ما أنا فيه من نعمة الأمن والأمان.
وكان هذا الحوار «غير المتكافئ» يتجدد يوما بعد يوم، وفي كل مرة أشعر أنه يتحامل على نفسه ويكظم غيظه، لكن في إحدى المرات انفجر - على غير عادته -: أنت لا تعرف هؤلاء الأشقياء الأشرار فهم إذا عثروا على مطلوبهم فإن مصيره إلى الهلاك، ولهذا فأنا مغادر المدينة التي أعيش فيها إلى جهة أخرى أقل خطرا وسأتواصل معكم إذا استقر بي المقام في مكان فيه اتصالات هاتفية، وسأترك أسرتي لأنها لا تستطيع التنقل السريع والمتكرر، وكل الذي أريده منكم ألا تنسوها إذا حصل لي مكروه، أما أنا فلن أتراجع عن نقل الحقيقة للناس عن مآسي بلدي وأهله على يد هؤلاء الأغبياء الذين ظنوا أنهم يستطيعون إخضاعه بالقوة بعد أن ارتضوا أن يكونوا أداة لغيرهم..
سامحك الله يا صديقي، لقد دفعت عنا ضريبة المهنة وكان الله في عونك وسلمك من كل مكروه.