بنكهة الأسود مقاربـة في الـ «ق ق ج» في السعودية
الجمعة / 11 / شعبان / 1436 هـ الجمعة 29 مايو 2015 20:12
سامي جريدي
القصة القصيرة جداً تعاني من عنصرية الأجناس الأدبية الأخرى؟ سؤال مفتوح على هيمنة اللون الأسود الذي طغى على بعض قصص السعوديين القصيرة جداً، وهنا شيء من هذه المقاربة التحليلـ/سيميائية.
إن من أكثر الألوان قدرة على خلق الحالات الشعورية السيئة والكئيبة المنساقة إلى الموت والانغلاق البصري للأشياء (اللون الأسود)، «إنه لون الصمت، لون مغلق، حاسم، بلا أمل في المستقبل،...لون حزين» . ولأن هذا اللون يمثل في حقيقته تفسيراً مضاداً للحياة، لون نفسي بالدرجة الأولى، لون لا يحمل لوناً، لون تشاؤمي، لون عدمي، لون لا يفضي إلا إلى الموت.
ولعل من النصوص التي تقود إلى ذلك الفهم وإلى ذلك التصور...
• نص قصصي قصير جداً لـ (فهد الخليوي) والذي يحضر اللون الأسود فيه مرتبطاً بالمكان (المقبرة) وبسوء المصير والحال:
«تحلقوا حول المدفن ، خرج من بين الجمع رجلا يحمل فأسا وطفق يحفر في الأرض. اجتثت الفأس جذور أعشاب صغيرة جفت فوق أكوام التراب وتبعثرت بفعل الرياح. اصطفوا على شكل دائرة ، أشهروا سيوفهم وبنادقهم وأطلقوا أعيرة نارية في الفضاء. رقصوا على قرع الطبول، تمايلوا جذلا ثم انطلقت صرخة مدوية.
- ادفنوها!..
ارتدى جسدها الشفيف كفنا منسوجا من عروق ليل طويل. شعت من روحها ومضات عذاب تليد. امتصتها العتمة، دلفت إلى مهرجان موتها، وتقاطرت أنوثتها شموسا وأناشيد. أومض طيفها من خلايا الصمت وساد سكون مهيب في ساحة المقبرة. انصرف الجمع عند حلول المساء. كانوا يلوحون برايات سوداء ، ويحملون فوق كواهلهم ليلا حالكا
وسلاسل غليظة وبقايا وأد قديم».
يهيمن اللون الأسود على أجواء ومشاهد هذه القصة عبر لغة ومفردات معبأة بالسواد، مثل: (ليل حالك)، (المدفن)، (العتمة)، (الصمت)، (ساحة المقبرة)، (ليل طويل)، (المساء)، (رايات سوداء)، وهذه العوالم والإشارات اللونية تشير إلى سواد آخر يقع في التفكير، ذلك الجهل الذي جعل هؤلاء القوم يقومون بهذا الفعل المشين والوأد العظيم.
إن قوة المشهد في هذه القصة لا يكون إلا بفهم اللون الأسود، ذلك اللون الذي غطى العقول والوجوه وقادهم إلى تطبيق وتمثيل السواد من العادات والتقاليد الجاهلية.
• وفي قصة العاصفة لـ (حسن البطران):
«نهضت من نومها فزعة..
شرشف أبيض تزينه رسومات
بجوارها..
قطة سوداء تتلاعب به،
تجره إلى خارج الغرفة..
عاصفة تنقله إلى مكان
آخر..
إلى سرير آخر في غرفة
بعيدة.. !.».
إن تفسير هذا الكابوس يكشفه لون القطة الأسود، الأمر الذي جعل الشخصية تقوم بأخذه إلى الخارج، وهذا السواد في القطة هو سواد الفزع الذي أيقظها من نوم تغطيه شراشف بيضاء هادئة وصافية كالحلم تماماً لكن هذا الكابوس طردها من البياض إلى السواد ومن ثم إلى سواد آخر يحتضن لونيته الضمنية في العاصفة.
• وفي قصة لـ (محمد المنصور الشقحاء) تكشف فيه عن تحول جسدي للون الأسود، يقول:
«جاء اسمي من الصفاء مع أن لون بشرتي أسود، في ليلة غفا عنها الزمان، لمحته يجلس وحيداً ويسطع بياضا في فضاء المكان أخذ يتحلل في جسدي، مع شقشقة الصباح سألتني أختي بفزع عن تغير لون بشرتي» ..
إن تلوّن البشرة من لون إلى لون يقابله تغيّر وتبدّل الزمن من ليل إلى صباح، إنها العدالة الكونية التي غابت عن تعاملات البشر. وكأنها بذلك ارتحال لوني من مصير العنصرية التي لازمت البشر زمناً طويلاً إلى الحرية و الانعتاق الأبدي.
ويبرز هذا اللون أيضاً في قصص أخرى لنفس الكاتب كنوع من ملامسة الهم الأنثوي في التعبير عن مشاعر المرأة وقضاياها المتعلقة بالقمع وسلطة العادات وبالحجاب والجسد. فمثلاً يجيء مرة في نصوص أخرى متناولاً لــ (غطاء الوجه)، و للــ (عباءة السوداء) التي يلبسها النسوة ضمن سياق يكشف عن سعيهن إلى الحرية والتخلص من ثياب التقاليد والروتين الحياتي.
ويقترب من هذه العوالم ذات التشكيل اللوني لثقافة المرأة من حيث اللباس والتغطية وخطاب الجسد.
• نص قصصي آخر لــ (فهد الخليوي):
« تعثّرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام».
• وفي مجموعة (لون الظلام) للقاص (عبدالله التعزي) يجيء اللون الأسود من خلال مفهومه البصري المرتبط بعتبة العنوان، يقول: «اللون الأسود في أوقات كثيرة يوحي بالظلام أما في هذه اللحظة وبهذه النظرات الغامضة التي يطلقها فإنه يشعر بقمة الضوء».
• ومما يشبه هذه العوالم المتصفة بالحلم والكابوس و شيء من الأجواء الأسطورية يجيء نص لــ (وفاء العمير): «في الظلام، ذات وقت يسترخي في عيون النائمين، .... عروس مزينة بالورد تمشي في معطف الليل، ....» ..
إن مفردات اللون ودلالاته تظهر في النص على النحو التالي: (الظلمة، معطف الليل، قمر شاحب، المتخفية بليل، توتر الظلام)، وهذه العوالم تختلط بشخصيات النص من كلاب نابحة و رجل بعصا طويلة، لتنبىء عن مشهد طقوسي يميل إلى السواد.
• ويصف القاص (محمد ربيع الغامدي) لون الأسفلت وحالته: «كان أكثر سوادا وأنا أعبره للمرة الأولى في هذا المكان، يتمدد وينكمش يعلو ويهبط، الرتل الملعون يمعن في الاقتراب متعمدا دهسي، أمامي صور أسلافي الذين قضوا فوق بساطه الأسود، أحاول نزع أقدامي المتسمرة لأهرب دون جدوى، صريـر فاجع يغمرني كصهـير حارق، أنفاسي جفت في صدري، يبست حتى غدت مثل احتكاك قطعتين من خشب».
من الوصف الأول لــ (الاسفلت) تنكشف الرؤية الوصفية لهذا اللون من كونه «أكثر سواداً» ، هذا المكان الرمزي للتعبير عن العبور من أمر إلى أمر آخر، ليعود القاص مرة أخرى مع اللون «فوق بساطه الأسود»، إنها هيمنة اللون الأسود على ذهن الشخصية لتغوص في رمزية عالية ونفسية متعالية لتقع في النهاية أسيرة لهذا المكان وتدهسها الآلات الصلبة العابرة بسرعة مذهلة دون أن يجد جدوى للهرب.
• وتكمن فلسفة البياض عند بعض كتاب القصة في البنية السردية التي تشير في فلسفتها إلى السواد، تبدو في العدمية التي تكشفها نصوص الرثـاء عند القاص (جبير المليحان)، وبخاصة في نص كهذا مكتمل البياض:
«رثـاء ـــ 9 ـــ 1400.............».
...............................................
• إن فلسفة البياض هنا، ليست هي في الواقع ضرورة مادية مفروضة على النص بل هي شرط وجودها كما يرى الناقد (محمد الماكري)، فالنص يُظهر قوته في بياضه.
إن بياض النص هنا هو بياض الكفن، إنه الموت الذي تؤسسه دلالة المراثي عبر لغة الفقد والتلاشي والعدم. ولا أظن أن بياض هذا النص جاء منفصلا عن غيره من النصوص في المجموعة القصصية، فهي جزء مكمل لنصوص الرثاء (المراثي) والتي امتدت إلى إحدى وعشرين نصا.
وعبر هذه الرؤى تجيء النهايات البصرية معلنة راياتها البيضاء لكشف حقيقة السواد في بعض النصوص القصيرة في السعودية، إنها رغبة الكتابة للاكتمال السردي عبر دهشة البصري..
إن من أكثر الألوان قدرة على خلق الحالات الشعورية السيئة والكئيبة المنساقة إلى الموت والانغلاق البصري للأشياء (اللون الأسود)، «إنه لون الصمت، لون مغلق، حاسم، بلا أمل في المستقبل،...لون حزين» . ولأن هذا اللون يمثل في حقيقته تفسيراً مضاداً للحياة، لون نفسي بالدرجة الأولى، لون لا يحمل لوناً، لون تشاؤمي، لون عدمي، لون لا يفضي إلا إلى الموت.
ولعل من النصوص التي تقود إلى ذلك الفهم وإلى ذلك التصور...
• نص قصصي قصير جداً لـ (فهد الخليوي) والذي يحضر اللون الأسود فيه مرتبطاً بالمكان (المقبرة) وبسوء المصير والحال:
«تحلقوا حول المدفن ، خرج من بين الجمع رجلا يحمل فأسا وطفق يحفر في الأرض. اجتثت الفأس جذور أعشاب صغيرة جفت فوق أكوام التراب وتبعثرت بفعل الرياح. اصطفوا على شكل دائرة ، أشهروا سيوفهم وبنادقهم وأطلقوا أعيرة نارية في الفضاء. رقصوا على قرع الطبول، تمايلوا جذلا ثم انطلقت صرخة مدوية.
- ادفنوها!..
ارتدى جسدها الشفيف كفنا منسوجا من عروق ليل طويل. شعت من روحها ومضات عذاب تليد. امتصتها العتمة، دلفت إلى مهرجان موتها، وتقاطرت أنوثتها شموسا وأناشيد. أومض طيفها من خلايا الصمت وساد سكون مهيب في ساحة المقبرة. انصرف الجمع عند حلول المساء. كانوا يلوحون برايات سوداء ، ويحملون فوق كواهلهم ليلا حالكا
وسلاسل غليظة وبقايا وأد قديم».
يهيمن اللون الأسود على أجواء ومشاهد هذه القصة عبر لغة ومفردات معبأة بالسواد، مثل: (ليل حالك)، (المدفن)، (العتمة)، (الصمت)، (ساحة المقبرة)، (ليل طويل)، (المساء)، (رايات سوداء)، وهذه العوالم والإشارات اللونية تشير إلى سواد آخر يقع في التفكير، ذلك الجهل الذي جعل هؤلاء القوم يقومون بهذا الفعل المشين والوأد العظيم.
إن قوة المشهد في هذه القصة لا يكون إلا بفهم اللون الأسود، ذلك اللون الذي غطى العقول والوجوه وقادهم إلى تطبيق وتمثيل السواد من العادات والتقاليد الجاهلية.
• وفي قصة العاصفة لـ (حسن البطران):
«نهضت من نومها فزعة..
شرشف أبيض تزينه رسومات
بجوارها..
قطة سوداء تتلاعب به،
تجره إلى خارج الغرفة..
عاصفة تنقله إلى مكان
آخر..
إلى سرير آخر في غرفة
بعيدة.. !.».
إن تفسير هذا الكابوس يكشفه لون القطة الأسود، الأمر الذي جعل الشخصية تقوم بأخذه إلى الخارج، وهذا السواد في القطة هو سواد الفزع الذي أيقظها من نوم تغطيه شراشف بيضاء هادئة وصافية كالحلم تماماً لكن هذا الكابوس طردها من البياض إلى السواد ومن ثم إلى سواد آخر يحتضن لونيته الضمنية في العاصفة.
• وفي قصة لـ (محمد المنصور الشقحاء) تكشف فيه عن تحول جسدي للون الأسود، يقول:
«جاء اسمي من الصفاء مع أن لون بشرتي أسود، في ليلة غفا عنها الزمان، لمحته يجلس وحيداً ويسطع بياضا في فضاء المكان أخذ يتحلل في جسدي، مع شقشقة الصباح سألتني أختي بفزع عن تغير لون بشرتي» ..
إن تلوّن البشرة من لون إلى لون يقابله تغيّر وتبدّل الزمن من ليل إلى صباح، إنها العدالة الكونية التي غابت عن تعاملات البشر. وكأنها بذلك ارتحال لوني من مصير العنصرية التي لازمت البشر زمناً طويلاً إلى الحرية و الانعتاق الأبدي.
ويبرز هذا اللون أيضاً في قصص أخرى لنفس الكاتب كنوع من ملامسة الهم الأنثوي في التعبير عن مشاعر المرأة وقضاياها المتعلقة بالقمع وسلطة العادات وبالحجاب والجسد. فمثلاً يجيء مرة في نصوص أخرى متناولاً لــ (غطاء الوجه)، و للــ (عباءة السوداء) التي يلبسها النسوة ضمن سياق يكشف عن سعيهن إلى الحرية والتخلص من ثياب التقاليد والروتين الحياتي.
ويقترب من هذه العوالم ذات التشكيل اللوني لثقافة المرأة من حيث اللباس والتغطية وخطاب الجسد.
• نص قصصي آخر لــ (فهد الخليوي):
« تعثّرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام».
• وفي مجموعة (لون الظلام) للقاص (عبدالله التعزي) يجيء اللون الأسود من خلال مفهومه البصري المرتبط بعتبة العنوان، يقول: «اللون الأسود في أوقات كثيرة يوحي بالظلام أما في هذه اللحظة وبهذه النظرات الغامضة التي يطلقها فإنه يشعر بقمة الضوء».
• ومما يشبه هذه العوالم المتصفة بالحلم والكابوس و شيء من الأجواء الأسطورية يجيء نص لــ (وفاء العمير): «في الظلام، ذات وقت يسترخي في عيون النائمين، .... عروس مزينة بالورد تمشي في معطف الليل، ....» ..
إن مفردات اللون ودلالاته تظهر في النص على النحو التالي: (الظلمة، معطف الليل، قمر شاحب، المتخفية بليل، توتر الظلام)، وهذه العوالم تختلط بشخصيات النص من كلاب نابحة و رجل بعصا طويلة، لتنبىء عن مشهد طقوسي يميل إلى السواد.
• ويصف القاص (محمد ربيع الغامدي) لون الأسفلت وحالته: «كان أكثر سوادا وأنا أعبره للمرة الأولى في هذا المكان، يتمدد وينكمش يعلو ويهبط، الرتل الملعون يمعن في الاقتراب متعمدا دهسي، أمامي صور أسلافي الذين قضوا فوق بساطه الأسود، أحاول نزع أقدامي المتسمرة لأهرب دون جدوى، صريـر فاجع يغمرني كصهـير حارق، أنفاسي جفت في صدري، يبست حتى غدت مثل احتكاك قطعتين من خشب».
من الوصف الأول لــ (الاسفلت) تنكشف الرؤية الوصفية لهذا اللون من كونه «أكثر سواداً» ، هذا المكان الرمزي للتعبير عن العبور من أمر إلى أمر آخر، ليعود القاص مرة أخرى مع اللون «فوق بساطه الأسود»، إنها هيمنة اللون الأسود على ذهن الشخصية لتغوص في رمزية عالية ونفسية متعالية لتقع في النهاية أسيرة لهذا المكان وتدهسها الآلات الصلبة العابرة بسرعة مذهلة دون أن يجد جدوى للهرب.
• وتكمن فلسفة البياض عند بعض كتاب القصة في البنية السردية التي تشير في فلسفتها إلى السواد، تبدو في العدمية التي تكشفها نصوص الرثـاء عند القاص (جبير المليحان)، وبخاصة في نص كهذا مكتمل البياض:
«رثـاء ـــ 9 ـــ 1400.............».
...............................................
• إن فلسفة البياض هنا، ليست هي في الواقع ضرورة مادية مفروضة على النص بل هي شرط وجودها كما يرى الناقد (محمد الماكري)، فالنص يُظهر قوته في بياضه.
إن بياض النص هنا هو بياض الكفن، إنه الموت الذي تؤسسه دلالة المراثي عبر لغة الفقد والتلاشي والعدم. ولا أظن أن بياض هذا النص جاء منفصلا عن غيره من النصوص في المجموعة القصصية، فهي جزء مكمل لنصوص الرثاء (المراثي) والتي امتدت إلى إحدى وعشرين نصا.
وعبر هذه الرؤى تجيء النهايات البصرية معلنة راياتها البيضاء لكشف حقيقة السواد في بعض النصوص القصيرة في السعودية، إنها رغبة الكتابة للاكتمال السردي عبر دهشة البصري..