بعض من «بدر كريم»

عبدالعزيز محمد النهاري

كنت أزوره بين الوقت والآخر في مبنى الإذاعة عندما كان مقرها جدة، وكان وقتها مديرا للتنفيذ وهو منصب لا يعلوه إلا مدير عام الإذاعة.. في تلك الأيام، ورغم أن التلفزيون قد بدأ إرساله من مبنى متواضع مجاورا لمبنى الإذاعة الشاهق والذي يضم كل مرافق وزارة الإعلام بما فيها مكتب الوزير الذي شغله الوزراء الثلاثة الأوائل جميل الحجيلان حفظه الله، وإبراهيم العنقري، ومحمد عبده يماني رحمهما الله، رغم ذلك كان «الراديو» هو التلفزيون والسينما والمسرح وكل ما هو متاح الآن للاطلاع والترفيه وأحيانا للتواصل. في كل زيارة لمكتبه المليء بالأشرطة «الريل» المحيطة بجهازي تسجيل ضخمين كتلك الموجودة في استديو هات الإذاعة، في مكتبه كنت أمكث ساعات طوالا وأغادر أحيانا دون أن أخرج منه بكلام غير وعليكم السلام، وكيف حالك؟، فهو دائما مشغول بتنسيق وتحرير برامجه الأشهـر وقتها وهي «في الطريق» و «تحية وسلام»، أو إعداده لموجز عن زيارات «الفيصل» لتبث مباشرة وفي أقل من يوم بعد عودة الملك رحمه الله، كان هو المخرج لكل برامجه وهو عمل فني مرهق جدا، أشك في أن أي مذيع يجيد ذلك العمل سواء من جيله أو من الجيل الذي أعقبه.
بدر أحمد كريم، كان هو النجم المتميز، والصوت الأبرز في المنظومة الإعلامية كاملة، وقد أكسبه إخلاصه وتفانيه في عمله شرف رئاسة الفريق الإعلامي المرافق لجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله في كل زياراته، والتي شملت تقريبا كل دول العالم، وكل مناطق المملكة. كان «بدر» ينام أحيانا في مقر الإذاعة فقد كانت مكتبه ومنزله ووسيلة راحته واستمتاعه، تسمعه مع بدء إرسال الإذاعة في فجر بعض الأيام، حيث كان ينوب عن أي مذيع يتخلف عن الحضور مبكرا، وأحيانا تسمعه في نشرة الأخبار الرئيسية بديلا لأي زميل تأخر عن الحضور لاستديو الأخبار.
ظل «بدر» مكافحا طوال حياته فحصل على الشهادة الابتدائية في سن الشباب عن طريق «منازل جدة»، واستمر حتى حصل على الدكتوراه قبل أن يوارى جثمانه الثرى بسنوات معدودة، ولم يكن بحاجة إلى تلك الشهادات لأن اسمه وشهـرته كانت تسبقه في كل أرجاء الوطن، صارع «بدر» المرض بأنواعه، والتقاعد بأمراضه وتبعاته النفسية، فلم يستسلم له، فإذا ما أحس بالشفاء عاد إلى مكتبه بمنزله حيث يقضي كل ساعات صحوه مع البحث والكتابة والإعداد للندوات والمحاضرات التي كان يدعى إليها في عدد من المحافل في داخل المملكة وخارجها.
هذا بعض من بدر كريم الرجل المدرسة في اللغة السليمة والتواضع الكبير، الذي لن ينساه التاريخ الإعلامي لبلادنا، رحمه الله وجعل الجنة مثواه.