أوشكت المرحلة الأولى لتوسعة المسجد النبوي الشريف من مشروع الملك عبدالله للتوسعة، على الانتهاء بعدما بلغت نسبة الإنجاز فيها أكثر من 90 %، لتبدأ بعدها مباشرة المرحلتان الثانية والثالثة، واللتان باستكمالهما، تصل قدرة المسجد الاستيعابية إلى مليون وثمانمائة ألف مصل. وأكد مدير العلاقات العامة في وكالة شؤون المسجد النبوي الشريف الشيخ عبدالواحد الحطاب، أن أعمال التوسعة المباركة تسير على خير ما يرام، وعلى قدم وساق، حيث تتسارع الخطى لإنجاز كافة المراحل في وقتها المحدد، في ظل حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على تقديم أفضل الخدمات لزوار المدينة المنورة، وسكانها.
وطالت التوسعات المسجد النبوي الشريف، منذ بدء إنشائه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى الآن، إذ أنه في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان المسلمون الأوائل من الأنصار قبل الهجرة النبوية يجتمعون ويصلّون في موضع في وسط المدينة المنورة (واسمها يومئذ يثرب)، حيث كان مصعب بن عمير (المبعوث من النبي محمد عليه الصلاة والسلام في مكة) يصلّي بهم ويعلمهم القرآن أيضاً، ومن قبله كان أسعد بن زرارة يصلي بهم، وكانت الأرض التي يصلّون عليها عبارة عن مرباد (موقف الإبل ومحبسها) لغلامين يتيمين هما سهل وسهيل ابنا عمرو وكانا في حِجرِ أسعد بن زرارة.
وفي الهجرة النبوية، عندما قدم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام المدينة المنورة، بركت ناقته في ذلك الموضع الذي كان الأنصار يصلّون فيه، وقال: «هذا المنزل إن شاء الله»، فدعا الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً، فقالا: «بل نهبه لك يا رسول الله»، فأبى أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما، ودفع ثمنها أبو بكر، فأسّس النبي محمد عليه الصلاة والسلام المسجد في شهر ربيع الأول سنة 1هـ الموافق 622 م، وكان طوله يومئذٍ ما يقارب 35 متراً، وعرضه 30 مترا، فتكون مساحته 1050 متراً مربعاً، وكان سقفه بارتفاع 2.5 متر تقريبا، وكانت أعمدة المسجد من جذوع النخل وسقفه من الجريد (أغصان النخيل)، وأساسه من الحجارة، وجداره من اللبن (الطوب النيء الذي لم يُحرق بالنار)، وجعل وسطه رحبة (ساحة).
وكان النبي محمد يبني معهم بنفسه، ويحمل عليه الصلاة والسلام الحجارة واللبن، وجعل للمسجد 3 أبواب: باب الرحمة ويُقال له باب عاتكة (في جهة الغرب)، وباب عثمان ويُسمى الآن باب جبريل الذي كان يدخل منه النبي محمد (في جهة الشرق)، وباب في المؤخرة (في جهة الجنوب)، وجعل قبلة المسجد لبيت المقدس، ولما تحوّلت القبلة للكعبة في السنة 2 هـ، سُدّ الباب الذي كان في المؤخرة وفُتح باب في مواجهته في الجهة الشمالية. وكذلك بنى بيتين لزوجتيه عائشة بنت أبي بكر وسودة بنت زمعة.
وروى البخاري قصّة بنائه في حديث طويل عن أنس بن مالك وفيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار فجاؤوا، فقال: يا بني النجار ثامِنوني بحائطكم هذا، فقالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال: فكان فيه ما أقول لكم، كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَب، وكان فيه نخل، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع، قال: فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه (خشبتان مثبتتان على جانبي الباب) حجارة، قال: جعلوا ينقلون ذاك الصخر وهم يرتجزون، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم معهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة».
وكان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، قد رفض أن يبني المسجد ويزيّنه، فقد روى عبادة بن الصامت: أن الأنصار جمعوا مالا ًفأتوا به النبي فقالوا: يا رسول الله: ابن هذا المسجد وزينه، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد؟ فقال: «ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى».
زيادة المساحة
وبعد غزوة خيبر في شهر محرم سنة 7هـ الموافق 628 م، وبسبب ازدياد أعداد المسلمين في المدينة نتيجة الهجرة إليها حتى ضاق المسجد النبوي بالمصلين، عندها قرر النبي محمد صلى الله عليه وسلم زيادة مساحته، فزاد 20 متراً في العرض و15 متراً في الطول، فصارت مساحته 2500 متر مربع، وكان عثمان بن عفان هو من اشترى هذه الأرض، وبقي المسجد على حده من الجهة الجنوبية، ومن الجهة الشمالية كان حده إلى ما ينتهي إليه البناء المجيدي المسقوف اليوم، ومن الجهة الغربية، كان حدّه الأسطوانة الخامسة من المنبر مكتوب عليها حدّ مسجد النبي وكان ارتفاع سقفه تقريباً 3.5 متر.
توسعة عمر
وفي عهد عمر بن الخطاب، في عام 17هـ وبسبب كثرة عدد المسلمين نتيجة للفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة الإسلامية، قام الخليفة عمر بن الخطاب بتوسعة المسجد النبوي، وكانت أول توسعة للمسجد النبوي منذ بنائه وتوسعته في عهد النبي محمد، حيث إن أبابكر الصديق لم يضف على مساحة المسجد شيئاً، فقد انشغل أبوبكر بالأحداث التي نتجت عن وفاة الرسول، غير أنه جدد الأعمدة النخلية التي نخرت، فلمّا تولّى عمر أمر الخلافة قال: «إني أريد أن أزيد في المسجد، ولولا أني سمعت رسول الله يقول: «ينبغي أن يُزاد المسجد» ما زدتُ فيه شيئا».
وبدأ عمر بشراء البيوت حول المسجد لتوسعته، إلا حجرات أمهات المؤمنين، وبيت كان للعباس بن عبد المطلب في جهة القبلة من المسجد، فتبّرع العباس به، وبدأ عمر بتوسعته فبنى أساس المسجد بالحجارة إلى أن بلغ حوالي مترين، فزاد من جهة القبلة إلى الرواق المتوسط بين المصلى النبوي والمصلى العثماني، وذلك نحو 5 أمتار، وزاد من جهة الشمال 15 متراً، ومن الجهة الغربية 10 أمتار، ولم يزد من الجهة الشرقية شيئاً، فصار طول المسجد من الشمال إلى الجنوب 70 متراً، وعرضه 60 متراً، وارتفاع سقفه 5.5 متر تقريباً. وجعل له ستة أبواب: الثلاثة القديمة، وفتح «باب السلام» في أول الحائط الغربي، و«باب النساء» في الحائط الشرقي، وباب في الحائط الشمالي، وأمر بالحصباء (حجارة صغيرة) فجيء به من العقيق وبسطها بالمسجد، واقتضت توسعة عمر إدخال بيت أبي بكر في المسجد والذي كان ملاصقاً للمسجد في الجهة الغربية، وكان عمر قد بنى رحبة خارج المسجد سُميت بـ «البطيحاء»، وقال: «من أراد أن يغلط أو يرفع صوتاً أو ينشد شعراً فليخرج إليه»، وكان قد بناه في الجهة الشرقية مما يلي المؤخرة، وقد دخلت في المسجد أثناء التوسعة بعد عمر
توسعة عثمان
لم تعد الزيادة التي بناها عمر بن الخطاب تسع المصلين والزوار، فقام الخليفة الراشد عثمان بن عفان بتوسعة المسجد النبوي في شهر ربيع الأول سنة 29 هـ الموافق 649 م، وانتهى منه في أول شهر محرم سنة 30 هـ، فكان عمله 10 أشهر، وأما مقدار الزيادة، فقد كانت في الجهة الجنوبية 5 أمتار وهو منتهى الزيادات من هذه الجهة حتى الآن، وفي الجهة الغربية زاد 5 أمتار أخرى وهو الأسطوانة الثامنة من المنبر، وزاد من الجهة الشمالية 5 أمتار أيضاً. وبناه من الحجارة المنقوشة والجص، وجعل أعمدته من الحجارة المنقوشة، وغُطّي سقفه بخشب الساج، وبنى مقصورة من لبن يصلي فيها للناس خوفاً من الذي أصاب عمر وجعل للمسجد 6 أبواب على ما كان على عهد عمر. وكان عثمان يباشر عمل البناء ويشرف عليه بنفسه.
في عهد الأمويين
استمرّ المسجد على ما هو عليه في توسعة الخليفة عثمان بن عفان، ولم يزد فيه علي بن أبي طالب ولا معاوية بن أبي سفيان، ولا ابنه يزيد ولا مروان بن الحكم، ولا ابنه عبد الملك شيئاً، حتى كان الوليد بن عبد الملك، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ومكة، فبعث الوليد إلى عمر بن عبد العزيز يأمره ببناء المسجد وتوسعته من جهاته الأربع، فاشترى حجرات أمهات المؤمنين وغيرها من الدور المجاورة المحيطة بالمسجد (كبيت حفصة بنت عمر في الجهة الجنوبية، وثلاثة دور كانت لعبد الرحمن بن عوف)، وبدأ بالبناء في شهر ربيع الأول سنة 88هـ الموافق 707م، وانتهى منه سنة 91هـ الموافق 710م، وكان عمر بن عبدالعزيز يشرف على جميع مراحل البناء، وقد قام بإدخال حجرات أمهات المؤمنين الموجودة في جهة المشرق والجهة الشمالية في المسجد والتي كان الناس قبل ذلك يدخلون تلك الحجرات يصلّون فيها يوم الجمعة لضيق المسجد، وكان مقدار الزيادة من الجهة الغربية 10 أمتار، وعليه استقر أمر الزيادة في الجهة الغربية، وزاد في الجهة الشرقية 15 متراً، وفي الجهة الشمالية 20 متراً، وكان بناؤه من الحجارة المنقوشة، وسواريه من الحجارة المنقورة، وقد حُشيت بأعمدة الحديد والرصاص، وامتازت هذه التوسعة باستحداث المآذن لأول مرّة، إذ بنى 4 مآذن بارتفاع 30 متراً تقريباً وبعرض 4 × 4 أمتار على زوايا المسجد الأربعة هُدمت إحداها بعهد سليمان بن عبد الملك (96-99 هـ)، وكذلك تم استحداث المحراب المجوّف لأول مرة، وكذلك زخرفة حيطان المسجد من داخله بالرخام والذهب والفسيفساء، وتذهيب السقف ورؤوس الأساطين وأعتاب الأبواب والتوسعة في الجانب الشرقي وبناء السقفين للمسجد.
في عهد العباسيين
لم يزل المسجد على حال ما زاد فيه الوليد بن عبد الملك حتى ولي أبو جعفر المنصور أمر الخلافة في الدولة العباسية، فهمّ أن يزيد بالمسجد، فتُوفي ولم يزد فيه شيئاً، ثم ولي أمر الخلافة أبو عبدالله محمد المهدي، فقام بزيارة المدينة المنورة أثناء الحجّ سنة 160 هـ، وأمر بالزيادة فيه، فزاد فيه 30 متراً من الناحية الشمالية، ولم يزد في القبلة ولا في المشرق والمغرب شيئا، واستمر العمل في البناء 4 سنوات من عام 161 هـ الموافق 779، وانتهى منه عام 165 هـ الموافق 782م، واستمرت عناية الخلفاء العباسيين بالمسجد النبوي، وقاموا بالعناية به وتجديده، ولم تظهر الحاجة لتوسعته أو إعادة بنائه إلى أن احترق المسجد الحريق الأول سنة 654 هـ. وفي ليلة الجمعة أول شهر رمضان سنة 654 هـ احترق المسجد النبوي الحريق الأول، عندما دخل أحد خدام المسجد في المخزن في الجانب الغربي الشمالي لاستخراج القناديل لمآذن المسجد، فترك الضوء الذي معه ونسيه فاشتعلت النيران وعلا اللهب، واجتمع غالب أهل المدينة المنورة فلم يقدروا على إطفائها، فاستولى الحريق على جميع سقف المسجد، وتلف جميع ما احتوى عليه المسجد من المنبر النبوي والزخارف، والأبواب والخزائن والشبابيك والمقصير والصناديق وما اشتملت عليه من كتب وكسوة الحجرة وكان عليها إحدى عشرة ستارة، ووقع كذلك بعض سقف الحجرة.
بعد ذلك أمر الخليفة العباسي المستعصم بالله بإعادة إعمار المسجد سنة 655 هـ الموافق 1257، ولما شرعوا في العمارة قصدوا إزالة ما وقع من السقوف على القبور في الحجرة، فلم يتجرأوا على ذلك، وانتظروا جواب الخليفة المستعصم، فلم يصل إليهم جواب لاشتغال الخليفة وأهل دولته بسبب غزو التتار لهم، واستيلائهم على بغداد في تلك السنة، فتركوا الردم على ما كان عليه، ولم ينزل أحد هناك، ولم يتعرضوا له ولا حركوه، إلا أنهم بنوا سقفاً فوقه على رؤوس السواري التي حول الحجرة.
الدولة المملوكية
بعد نهاية الخلافة العباسية بمقتل الخليفة المستعصم بالله على يد التتار سنة 656 هـ، انتقل أمر العناية بالمدينة المنورة إلى الدولة المملوكية في مصر، فتولى ملك مصر المنصور نور الدين علي بن أيبك وبمساعدة ملك اليمن المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول إكمال عملية الإعمار، ثم في سنة 657 هـ عُزل ملك مصر المنصور نور الدين وتولّى مكانه الملك المظفر سيف الدين قطز فكان العمل بالمسجد تلك السنة من باب السلام إلى باب الرحمة، ومن باب جبريل إلى باب النساء، وما لبث أن قُتل قبل أن تتم عمارته، وتولى حكم مصر بعده الملك الظاهر بيبرس، فقام بتجهيز الأخشاب والحديد والرصاص، وأرسل 53 صانعاً، وأرسل معهم الأمير جمال الدين محمد الصالحي، ثم صار يمدهم بما يحتاجون إليه من الآلات والنفقات، حتى تم إصلاح باقي المسجد.
ثم لم يزل المسجد على ذلك حتى سنة عام 678 هـ في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي، إذ عُمِلَت فوق الحجرة النبوية قبة خشبية (عُرفت لاحقاً بالقبة الخضراء)، مربّعة من أسفلها، مثمنة في أعلاها بأخشاب أقيمت على رؤوس السواري. ثم في عامي 705 هـ و706 هـ جدّد السلطان محمد بن قلاوون السقف الشرقي والسقف الغربي (أي الذي عن يمين صحن المسجد ويساره). ثم في سنة 729 هـ أمر السلطان محمد بن قلاوون، بزيادة رواقين في المسقف القبلي متصلين بمؤخره. ثم حصل فيهما خلل فجددهما الملك الأشرف سيف الدين برسباي في ذي القعدة سنة 831 هـ، وجدد كذلك شيئاً من السقف الشمالي، ثم حصل خلل في سقف الروضة وغيرها من سقف المسجد في عهد الظاهر سيف الدين جقمق فجدد ذلك في سنة 853 هـ على يد الأمير بردبك الناصر المعمار.
القبة الخضراء
الجهة الجنوبية للمسجد، تظهر فيها القبة الخضراء التي أنشأها أول مرة السلطان محمد بن قلاوون عام 678 هـ، ثم جددها السلطان قايتباي، وتظهر أيضاً على اليسار القبة التي بناها قايتباي على المحراب العثماني.
وفي عام 881 هـ، أمر السلطان قايتباي (من أبرز السلاطين المملوكيين الذين اهتموا بعمارة المسجد)، بعمارة شاملة للمسجد على يد الخواجكي الشمسي شمس الدين بن الزمن، وفي ليلة 13 رمضان عام 886 هـ الموافق 1481 احترق المسجد النبوي الحريق الثاني، إذ تراكم الغيم فحصل رعد شديد، وضربت صاعقة المأذنة الرئيسية، فسقط شرقيّ المسجد، وتوفي رئيس المؤذنين يومئذٍ، واندلعت النيران في سقف المسجد عند المأذنة الرئيسية جنوب شرقي المسجد، فاجتمع أهل المدينة لإطفاء الحريق، فعجزوا عن إطفائها، حتى استولت النيران على جميع سقف المسجد وأبوابه وما فيه من خزائن الكتب والمصاحف، فقام بعدها السلطان قايتباي بعمارة شاملة للمسجد، إذ أرسل المئات من البنّائين والنجّارين والحَجّارين والنحّاتين والحدّادين، وأرسل الأموال الكثيرة والآلات والحمير والجمال، وذلك لتتم عمارة المسجد على أحسن ما يكون، فزادوا في الجانب الشرقي قدر 1.2 متر، وعملوا سقفاً واحداً للمسجد بارتفاع 11 متراً، وقام ببناء القبة الخضراء وبناها بدلاً من القبة الزرقاء التي الموجودة قبل الحريق فوق الحجرة النبوية، وأعادوا ترخيم الحجرة النبوية وما حولها وترخيم الجدار القبلي، وعملوا المنبر ودكة المؤذنين من رخام، وعملوا قبّة على المحراب العثماني، كما أقاموا قبتين أمام باب السلام من الداخل، وقد كسيت هذه القباب بالرخام الأبيض والأسود، وانتهت هذه العمارة في أواخر رمضان سنة 888 هـ الموافق 1483م.
في عهد العثمانيين
تولّى الحكّام العثمانيون أمر المسجد النبوي بعد نهاية الدولة المملوكية سنة 923 هـ الموافق 1517، فأولوها عناية فائقة واهتماماً كبيراً، فحافظوا في البداية على العمارة المملوكية للمسجد النبوي وتعهدوها بالإصلاح والترميم كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكان أول من قام بإصلاحات في المسجد النبوي السلطان سليمان القانوني، ففي عام 946 هـ استُبدلت الأهلّة المملوكية التي تعلو القبة الخضراء ومآذن المسجد أهلة من النحاس المطلي بالذهب، فوضع أحدها على القبة وهلال على المنبر وخمسة أهلة لكل منارة هلال، وفي سنة 947 هـ الموافق 1540 قام بالإصلاحات الكبرى في عهده، حيث تناولت هذه العمارة باب الرحمة، وباب النساء، وهدمت المئذنة الشمالية الشرقية (السنجارية) وأقيمت مكانها المئذنة السليمانية وكان عمق أساسها 8.53 متر، وعرض الأساس 4.59 متر. وكان السلطان قد أرسل كل ما تحتاجه العمارة من مواد البناء محمولة على الجمال والدواب، وكذلك أرسل الأيدي العاملة من حجارين وبنائين ونحاتين، وزودهم بما يحتاجونه من نفقات مادية وعينية. وفي 17 محرم عام 948 هـ الموافق 13 مايو 1541م أعادوا إعمار «المحراب الحنفي»، وفي عام 974 هـ الموافق 1566 جرت عدة إصلاحات وترميمات في المسجد النبوي كان أهمها إعادة بناء الجدار الغربي من باب الرحمة بأكمله لسقوط معظمه، وترخيم الروضة الشريفة، وعملت وزرة على الحجرة النبوية وأصلح رصاص القبة على القبر النبوي. كما تم استبدال السقوف في الجانب الغربي من المسجد النبوي بعدد من القباب الصغيرة، كما أعيد في سنة 974 هـ تجديد بناء قبة الصحن المبنية سنة 576 هـ.
أكبر توسعة عثمانية
وفي عهد السلطان عبد المجيد الأول قام بالبدء بأكبر عمارة وتوسعة للمسجد في العهد العثماني، وذلك في عام 1265 هـ الموافق 1849 وانتهت في سنة 1277 هـ الموافق 1860، واستمرت العمارة نحو 13 سنة، وكانت هذه العمارة من أضخم وأتقن وأجمل العمارات والتوسعات التي تمّت للمسجد النبوي من قبل، وقد بقي منها بعد العمارة السعودية الحديثة الجزء القبلي (الجنوبي)، ويبدو هذا الجزء حتى الآن قوياً متماسكاً، وقد غُطي سقف المسجد كاملاً بالقباب المكسوة بألواح الرصاص، بلغ عددها 170 قبة، أعلاها القبة الخضراء، ثم قبة المحراب العثماني، ثم قبة باب السلام، وباقي القباب على ارتفاع متقارب، ولبعضها نوافذ مغطاة بالزجاج الملون، وزُيّنت بطون القباب بصور طبيعية ونقوش، وكتابات قرآنية وشعرية، كما كُتبت في جدار المسجد القبلي (الجنوبي) سور من القرآن وأسماء النبي محمد، وغير ذلك بخط الثلث العربي، وذُهّبت الحروف بالذهب، وبُنيت أبوابه بشكل فنّي، وأبواب القسم الجنوبي الباقية حتى الآن هي: باب جبريل، وباب الرحمة، وباب السلام، أما الأبواب الشمالية فقد هُدمت.
وقد بلغ مقدار تكلفة هذه العمارة 140 كيساً من الذهب، وكل كيس كناية عن 5 ذهبات مجيدية، وقد زاد السلطان عبد المجيد في المسجد الكتاتيب لتعليم القرآن، والمستودعات في الجهة الشمالية، كما زاد في الشرق نحو 2.6 متراً من المأذنة الرئيسية (الجنوبية الشرقية) إلى ما يلي باب جبريل، وبلغت مساحة التوسعة الكلية 1293 متراً مربعاً.
التوسعة السعودية الأولى
في 13 ربيع الأول من عام 1372 هـ الموافق 1952 بدأ العمل بتوسعة المسجد بأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود، وبعد أن قاموا بشراء الأراضي وهدمها لتهيئتها للبناء الجديد، بلغت مساحة المسجد الكلية 16326 متراً مربعاً تتسع إلى 28,000 مصلّ، وقد أقيم مصنع للحجر قرب المدينة لغايات الإعمار، وأما بقية المواد فكانت البواخر تحملها إلى ميناء ينبع ومن ثم إلى المدينة بواسطة سيارات كبيرة، وقد بلغت حمولة المواد المفرغة في الميناء لغايات الإعمار أكثر من 30,000 طن، وقد تم الانتهاء من التوسعة في أوائل سنة 1375 هـ الموافق 1955، وبلغت تكلفة هذا المشروع 50 مليون ريال سعودياً، وقام الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود بافتتاحه في 5 ربيع الأول سنة 1375 هـ، الموافق أكتوبر 1955.
وهذه التوسعة عبارة عن مبنى مستطيل طوله 128 متراً بعرض 91 متراً، وقد فُتح في الجهة الشرقية باب الملك عبد العزيز، وفي الجهة الغربية باب الملك سعود، وكل منها يتكون من 3 أبواب متجاورة، أما في الجهة الشمالية، فقد فُتح 3 أبواب، باب عمر، وباب عثمان، وباب عبد المجيد، وبلغ عدد الأعمدة 232 عموداً على رأسها عقودا مدببة، أما السقف فقد قُسّم إلى مربعات بارتفاع 12.55 متر، ويغلب على هذه العمارة اللون الأبيض المطعم بقليل من الأحمر والأسود، أما المآذن، قد كانت للمسجد 5 مآذن هُدمت منها 3 مآذن هي التي كانت عند باب الرحمة والمئذنة السليمانية والمجيدية في الجهة الشمالية، وبُنيت مئذنتان في الركن الشرقي والغربي من الجهة الشمالية، وارتفاع كل منها 72 متراً، فأصبح للمسجد 4 مآذن في أركانه الأربعة.
وبسبب تكاثر أعداد الحجاج، أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود بتهيئة أماكن للصلاة غربي المسجد، فهُدمت المباني الموجودة في تلك الجهة وتم إقامة مصلى مظلل، بلغت مساحته حوالي 35,000 متر مربع، بواقع 80 مظلة. وكان العمل به سنة 1873، وبقيت إلى أن أزيلت في التوسعة السعودية الثانية.
التوسعة السعودية الثانية
في شهر محرم من عام 1406 هـ الموافق 1985، بدأ العمل بأكبر توسعة للمسجد النبوي بأمر من الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وقد تم الانتهاء منها عام 1414 هـ الموافق 1994، حيث شملت التوسعة الجهات الشرقية والغربية والشمالية للمسجد، وذلك بإضافة مساحة 82,000 متر مربع تستوعب حوالي 150,000 مصلّ، وبذلك أصبح المساحة الكلية للمسجد 98,326 متراً مربعاً تستوعب 178,000 مصلّ، ويُضاف مساحة السّطح 67,000 متر مربع، منها 58,250 متراً مربعاً مهيأة للصلاة فيها وتستوعب 90,000 مصلّ، فأصبح مجموع المساحة لمهيأة للصلاة 156,576 متراُ مربعاً تستوعب 268,000 مصلّ. ويُضاف مساحة الساحات المحيطة بالمسجد بمساحة 135,000 متر مربع، منها 135,000 متر مربع مهيأة للصلاة تستوعب 430,000 مصلّ، وهكذا يرتفع مجموع المصلين إلى أكثر من 698,000 مصلّ.
وقد صُممت الأعمدة والأروقة على نسق التوسعة السعودية الأولى، وغُطّيت الجدران الخارجية بالجرانيت، وتمّ إضافة 6 مآذن جديدة تتناسق مع المئذنتين في التوسعة السعودية الأولى، وقد زُوّد مبنى التوسعة بعدة أنظمة متطورة، منها أنظمة كاميرات، وأنظمة طاقة كهربائية دائمة واحتياطية، وأنظمة إطفاء حريق، وأنظمة للصرف الصحي.
وشملت هذه الأنظمة والمرافق الجديدة عدة إتجاهات:
الدور الأرضي: يُعتبر هذا الدّور هو الدور الرئيسي في مبنى التوسعة، وأرضيته مغطاة بالرخام، وارتفاعه 12.55 متر، وبلغ عدد الأعمدة الكلّي 2104 أعمدة بارتفاعٍ حتى بداية القوس 5.6 متر، وقد كُسيت بالرخام الأبيض المستورد من إيطاليا وإسبانيا.
مصلّى النساء: تم تخصيص أماكن للنساء في الجهة الشرقية الشمالية بمساحة 16,000 متر مربع، وآخر في الجهة الغربية الشمالية بمساحة 8,000 متر مربع.
أبواب المسجد: كان للمسجد قبل هذه التوسعة 11 باباً، أصبح 5 منها داخل مبنى التوسعة الجديدة، وهي باب الملك سعود وباب عمر وباب عثمان وباب عبد المجيد وباب الملك عبد العزيز، وصار عدد المداخل الإجمالي 41 مدخلاً، بعضها يتكون من باب واحد، وبعضها من بابين ملتصقين و3 أبواب و5 أبواب متلاصقة، فيصير العدد الإجمالي 85 باباً، وقد بُنيت هذه المداخل من الخرسانة وكُسيت بالرخام ومن الخارج بالجرانيت، وزُوّدت بأبواب خشبية ضخمة بعرض 3 أمتار وارتفاع 6 أمتار، واستُخدم في تجهيز الأبواب الخشب العزيزي المستورد من السويد والمكسوّ بالبرونز، وكُتب في وسط كل باب «محمد»، ويعلو كل باب لوحة من الحجر مكتوبٌ عليها آية ?ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ?.
القِباب المتحركة: تمّ تأمين عدةَ أفنيةٍ مكشوفةٍ للمسجد بهدف التهوية والإنارة الطبيعية، وعددها 27 فناءً بمساحة 324 متراً مربعاً لكل منها، وغُطيت بقباب متحركة بارتفاع 3.55 متر من منسوب سطح التوسعة، وعلى ارتفاع 16.65 متر من منسوب الدور الأرضي، وبنصف قطر داخلي بلغ 7.35 متر، وبلغ وزن الواحدة منها 80 طناً، ويتكون الوجه الداخلي من طبقات الخشب بسمك 20 مم مرصعاً بالأحجار القيّمة داخل إطارات مذهّبة، إذ أنه قد استخدم 67.5 كلغم من الذهب ويتم التحكم بالقباب بواسطة جهاز كمبيوتر مركزي يعمل بالطاقة الكهربائية، ويستغرق فتح أو إغلاق القبة حوالي دقيقة واحدة.
سطح التوسعة: تبلغ مساحة سطح التوسعة حوالي 67,000 متر مربع، منها 58,250 متراً مربعاً مهيأة للصلاة فيها، وتستوعب 90,000 مصلّ.
المآذن: أُقيمت في مبنى التوسعة 6 مآذن، 4 منها موجودة بالأركان الأربعة للتوسعة، ومئذنتان في منتصف الجانب الشمالي، بارتفاع 103.89 متراً مع الهلال. وتتكون كل مئذنة من 5 أجزاء: مربعة الشكل، وضلعه 5.5 متر، بارتفاع 27 متراً، مغطى بحجر الحرانيت.
مثمن الشكل، وقطره 5.5 متر، وبارتاع 21 متراً، مغطى بالحجر الصّناعي الملوّن.
أسطواني الشكل، وقطره 5 أمتار، وبارتفاع 18 متراً.
أسطواني الشكل، وقطره 4.5 متر، وبارتفاع 15 متراً.
مخروطي الشكل، تعلوه قبة وينتهي بهلال برونزي طوله 6.7 متر بوزن 4.5 طن مطلي بالذهب عيار 14 قيراطاً.
الحوائط: وتتكون من حائطين بينهما فراغ مرتبطة بأعمدة مسلّحة، وتبلغ سماكة الحائط الداخلي 30 سم، والخارجي 30 سم، وجميع الحوائط والعقود والأسقف مبنية من الخرسانة المسلحة وقد كُسيت من الداخل ببلاطات من الحجر الصناعي.
الزخارف: تمّ تصميم أعمال الزخرفة بحيث تناسب نظيرتها في التوسعة السعودية الأولى، وتشمل أعمال الزخارف، والكرانيش لتجميل الحوائط، والمآذن وأعمال الحديد المشغول، والأبواب الخشبية المطعمة بالنحاس، وأعمال التكسية بالرخام المزخرف.
ساحات المسجد: تمّ إحاطة المسجد من الناحية الجنوبية والغربية والشمالية بمساحات بلغت 235,000 متر مربع، وقد غُطيت جزء منها بالرخام الأبيض العاكس للحرارة، والباقي غُطي بالجرانيت، والحجر الصناعي، وتم إضاءتها بوحدات إضاءة مثبتة على 151 عموداً مكسواً بالجرانيت، وأحيطت هذه السّاحات بسور طوله 2270 متراً، وبه بوابات. وتستوعب هذه الساحات حوالي 430,000 مصلّ، وتضم هذه الساحات مداخل لدورات المياه، والمواضئ، وأماكن الاستراحة للزوّار، وتتصل بمواقف السيارات التي توجد في طابقين تحت الأرض.
الدور السفلي: تضمنت أعمال التّوسعة إنشاء دور سفلي بمساحة 82,000 متر مربع، وبارتفاع 4.1 متر، وكُسيت كامل الأرضية بالسيراميك. وصُممت خصيصاً لتستوعب التجهيزات المختلفة من أعمال التكييف، والتهوية، وشبكات المياه والصرف الصحي، وشبكة الإنذار، وإطفاء الحريق، وشبكة مياه الشرب، وأجهزة النحكم بالقباب، وأنظمة الصوت والكاميرات، إلى غير ذلك من الأعمال، ولهذا الدور 8 مداخل.
مواقف السيارات: وتقع تحت الساحات المحيطة بالمسجد من الجهة الجنوبية والشمالية والغربية، وتتكون من طابقين تحت سطح الأرض، وتتصل بالطرق الرئيسية بواسطة 6 مداخل ومخارج للسيارات، وتستوعب حوالي 4,444 سيارة.
مباني الخدمات العامة: تحتوي المواقف على مباني للخدمات وعددها 15 وحدة، كل منها تتكون من 4 أدوار وتربط المواقف بالسّاحات الخارجية بواسطة سلالم كهربائية، وتشمل هذه الوحدات 690 نافورة لشرب المياه، و1890 دورة مياه، و5600 وحدة للوضوء. متحف نوادر الحجرة الشريفة: كان السّلاطين والأمراء يهدون الحجرة النبوية نوادرَ ثمينةً تُوضع داخلَها، وفي عام 1981 تم حفظها في الغرفة التي بُنيَت خصيصاً فوق مكتبة المسجد النبوي، ولها مدخل تحت المأذنة السعودية القديمة على يمين الداخل من باب عمر. المظلات في صحن المسجد: يوجد في المسجد صحن مستطيل الشكل شمالي البناء المجيدي، فتم نصب 12 مظلة لتقي الناس حرارة الشمس وشدّة البرد والمطر، وهذه المظلات عبارة عن شمسيات من القماش الأبيض السميك، تحملها أعمدة حديدية مكسوة بالرخام الأبيض، قابلة للفتح والإغلاق بشكل آلي، وتُظهِر بحال فتحها شكل النوافير المائية، وفي حال إغلاقها تظهر كأنها منارات صغيرة ذات رؤوس مخروطية. المقصورة الجنوبية: لقد بُنيت مقصورة في جهة القبلة، وطولها 87.5 متراً بمساحة 437.5 متر مربع، ولها 4 أبواب
التوسعة الثالثة
بأمر من الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وفي شهر أغسطس 2010 تم الانتهاء من مشروع مظلات ساحات المسجد النبوي، وهو عبارة عن مظلات كهربائية على أعمدة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي من الجهات الأربع، وتبلغ مساحتها 143 ألف متر مربع، بهدف وقاية المصلين من المطر وحرارة الشمس أثناء الصلاة. وشمل المشروع تصنيع وتركيب 182 مظلة على أعمدة ساحات المسجد النبوي، بالإضافة إلى 68 مظلة في الساحات الشرقية، ليصبح مجموع المظلات 250 مظلة، وبلغت تكلفته 4.7 مليار ريال سعودي، وصممت المظلات الجديدة خصيصاً للمسجد النبوي، بحيث تظل كل مظلة نحو 800 مصل، وهي بارتفاعين مختلفين، بحيث تعلو الواحدة الأخرى، على شكل مجموعات، لتكون متداخلة فيما بينها، ويبلغ ارتفاع الواحدة 14.40 متر، والأخرى 15.30 متر، فيما يتساوى ارتفاع جميع المظلات في حالة الإغلاق بارتفاع 21.70 متر. وفي يونيو من عام 2012 أمر الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بالبدء بتنفيذ أكبر توسعة للمسجد النبوي في المدينة المنورة تحت اسم «مشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز لتوسعة الحرم النبوي الشريف»، وعلى ثلاث مراحل، تتسع المرحلة الأولى منها لما يتجاوز 800 ألف مصل، كما سيتم في المرحلتين الثانية والثالثة توسعة الساحتين الشرقية والغربية للحرم، بحيث تستوعب 800 ألف مصل إضافية، وتم البدء بهذا المشروع بعد موسم الحج عام 2012، ويبلغ عدد العقارات المتوقع إزالتها لصالح المشروع 100 عقار تتوزع على الجهتين الشرقية والغربية، ويبلغ إجمالي التعويض عن مساحة تقدر بنحو 12.5 هكتار بنحو 25 مليار ريال، ووفق خطط المشروع ستجرى تحسينات للساحات العامة والساحة الاجتماعية حول المسجد.