يروى عن القاضي الفطن والأديب المطبوع والمتحدث الجذاب، خفيف الروح، سريع البديهة الشيخ علي الطنطاوي ــ رحمه الله ــ أنه خاطب شابا متحمسا من الدعاة قائلا: (حين كنت إماما في جامع كبير بدمشق، وكنت مثلك شابا لا أدرك أبعاد الأمور، وكان قد أعلن أن منيرة المهدية المطربة سوف تزور الشام وتحيي حفلة غنائية، وكانت تلك المطربة سيدة الغناء في ذلك الوقت، قبل أن تشتهر أم كلثوم، وكانت كلمات أغانيها فيها خلاعة وحركاتها، وهي تغني، كلها دلع ومياعة، فاعتليت المنبر في خطبة الجمعة وصحت بالناس محذرا: انتبهوا.. اسمعوا.. اوعوا.. غدا أو بعد غد ستأتي المطربة الخالعة المائعة المسماة منيرة المهدية، وتملأ فضاء الشام بكلمات أغانيها التي تخدش الحياء، وسوف تتمايل بقدها الممشوق وتهز جسمها وتبرز مفاتنها، فالحذر الحذر من حضور حفلتها أو السماح لشبابنا بشراء تذاكرها.. فإنها مفسدة للدين والأخلاق ..
وواصلت الهجوم عليها والمطالبة بمنعها وليتني لم أفعل! إذ لم يكد الشباب يخرجون من الجامع حتى تسابقوا لشراء تذاكر حفلتها حتى نفدت التذاكر في يوم، وبيعت في السوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها ..
كنت أعمل، دعاية هائلة مجانية، من دون أن أدري، كنت أظن أنني أصرف الناس عنها فصرفتهم إليها.. فكل ممنوع متبوع وكل من تتم مهاجمته تتضاعف شهرته.. كفانا لعبا وتقديم دعاية مجانية لكل ساقط أو لاقط.. أميتوا الباطل بعدم ذكره.. ولا تقدموا له الشهرة بالمجان).
كلام مؤثر قريب من الفهم والطبع لأنه نابع من تجربة ذواقة متصلة بالحياة وبالناس، وقد كان الشيخ الطنطاوي عالما خطيبا خبيرا بالنفس البشرية لم يتعال به علمه عن الاقتراب من المشاعر ..
وإذا طبقنا ما قاله لذلك الشاب المندفع على ما نحن عليه اليوم لوجدنا أننا (نعمل دعاية مجانية) لكثيرين لا يستحقون الدعاية، فهم ليسوا أصحاب ذوق وفن يغري بالمشاهدة والمتابعة والاستماع، ولا أهل رأي أصيل، حتى وإن فارق المعهود وخالف السائد ..
غالبية الذين تدفعهم الحماسة يروجون ــ بالمجان ــ لرسام مغمور ظن جهلا أنه يسيء لرمز الأمة أو كويتب من الدرجة العاشرة يبحث عن الأضواء في سوق الجهل والغباء أو (كمبارس) يعرض تفاهته في زمن تراجع الفن الراقي، مهذب الروح ومثري العقل والمشاعر، أو متسول على العلم الشرعي لا يردعه ذوق أو علم عن الطعن في الأعلام والتشكيك في ذمم ونوايا الناس.. وهذه الدعاية المجانية التي يقدمها «المتحمسون» ــ إذا أحسنا الظن بهم ــ تساعد على إشاعة التفاهة فيظن أهلها أنهم شغلوا حيزا من اهتمام الناس فيزيدون في غيهم.
فلنتوقف عن «الترويج» للضحالة والسفه والتطاول على قيم المجتمع ورموزه الحقيقيين، وعندها سيموت أصحابها كمدا.
وواصلت الهجوم عليها والمطالبة بمنعها وليتني لم أفعل! إذ لم يكد الشباب يخرجون من الجامع حتى تسابقوا لشراء تذاكر حفلتها حتى نفدت التذاكر في يوم، وبيعت في السوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها ..
كنت أعمل، دعاية هائلة مجانية، من دون أن أدري، كنت أظن أنني أصرف الناس عنها فصرفتهم إليها.. فكل ممنوع متبوع وكل من تتم مهاجمته تتضاعف شهرته.. كفانا لعبا وتقديم دعاية مجانية لكل ساقط أو لاقط.. أميتوا الباطل بعدم ذكره.. ولا تقدموا له الشهرة بالمجان).
كلام مؤثر قريب من الفهم والطبع لأنه نابع من تجربة ذواقة متصلة بالحياة وبالناس، وقد كان الشيخ الطنطاوي عالما خطيبا خبيرا بالنفس البشرية لم يتعال به علمه عن الاقتراب من المشاعر ..
وإذا طبقنا ما قاله لذلك الشاب المندفع على ما نحن عليه اليوم لوجدنا أننا (نعمل دعاية مجانية) لكثيرين لا يستحقون الدعاية، فهم ليسوا أصحاب ذوق وفن يغري بالمشاهدة والمتابعة والاستماع، ولا أهل رأي أصيل، حتى وإن فارق المعهود وخالف السائد ..
غالبية الذين تدفعهم الحماسة يروجون ــ بالمجان ــ لرسام مغمور ظن جهلا أنه يسيء لرمز الأمة أو كويتب من الدرجة العاشرة يبحث عن الأضواء في سوق الجهل والغباء أو (كمبارس) يعرض تفاهته في زمن تراجع الفن الراقي، مهذب الروح ومثري العقل والمشاعر، أو متسول على العلم الشرعي لا يردعه ذوق أو علم عن الطعن في الأعلام والتشكيك في ذمم ونوايا الناس.. وهذه الدعاية المجانية التي يقدمها «المتحمسون» ــ إذا أحسنا الظن بهم ــ تساعد على إشاعة التفاهة فيظن أهلها أنهم شغلوا حيزا من اهتمام الناس فيزيدون في غيهم.
فلنتوقف عن «الترويج» للضحالة والسفه والتطاول على قيم المجتمع ورموزه الحقيقيين، وعندها سيموت أصحابها كمدا.