-A +A
طالب بن محفوظ (جدة)
«إيفون ردلي»..كاتبة وصحفية بريطانية ولدت عام 1959م في «ستانلي دارهم» من انكلترا، عملت في صحيفة صنداي إكسبريس اللندنية، أسلمت عقب احتجازها من قبل حكومة طالبان في أفغانستان عام 2003، بالقرب من بلدة جلال أباد القريبة من الحدود الباكستانية، حيث كانت قد اعتقلت مع دليلين كانا معها يصطحبانها في سفرها، وكانت ترتدي الزي الأفغاني، واتهمت بأنها قد دخلت أفغانستان بصورة غير شرعية إضافة إلى كونها لم تكن تحمل جواز سفر. التقيت «ردلي» على هامش المؤتمر الإسلامي العالمي العاشر «الشباب وبناء المستقبل» الذي نظمته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في العاصمة المصرية القاهرة. وكانت «ردلي» قد هاجمت شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بقولها: «آخر مرة جئت فيها للقاهرة دُعيت بـ«المتطرفة» ليس من أحد سوى من شيخ الأزهر لأنني لم أصافحه، وهذا هو نهج النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وأنا اتبعه، هل هذا يجعلني متطرفة؟».
لاأعرف إلا الحق

ماهو سر قوتك وسخونة عباراتك التي تتحدثين بها في العديد من المناسبات؟
-أنا لا اعرف من العربية إلا كلمة (حق) لذا أنا أقول الحق ولا أخشى أحدا، وحتى لايظن الغرب أن المرأة المسلمة لا تعرف أن تدافع عن نفسها، بل هي قادرة على ذلك.
هابي كلابيز
أثرت سابقاً ما أسميته «هابي كلابيز».. ماهي قصته؟
- لدينا في بريطانيا غزو أسميه «هابي كلابيز» (Happy Clappies) يسمم عقول شبابنا، وعلينا أن نكون حذرين جدا قبل أن ينتشر عبر العالم، حتى أن بعضهم يسيء استعمال الأناشيد، وأنا خائفة بشدة أن يؤثر هابي كلابيز على أناشيدنا بتجاوزات ثقافة البوب الغربية.
النتيجة النهائية من كل هذا هو تمييع دين الله، إسلام ضعيف ومقسم قابل للتكيف مع الوضع الراهن الذي فيه المسلمون مضطهدون وذليلون، إسلام يكون فيه المسلمون راضين أن يمضوا الليلة في الرقص وغناء الأناشيد، وأن يركزوا على الارتقاء بحياتهم في الغرب ويشجبوا أفعال إخوانهم وأخواتهم الذين يقاومون الاحتلال والظلم بشجاعة بكل ما يملكون.
سئل ذات مرة صلاح الدين محرر القدس .. لماذا لا يبتسم؟ أجاب كيف يستطيع أن يبتسم وهو يعلم أن المسجد الأقصى واقع تحت احتلال الصليبيين؟
وأنا أتساءل ماذا كان سيفعل صلاح الدين في حال العالم اليوم؟ أتساءل ما النصيحة التي كان سيعطيها للشباب؟ يجب علينا أن ننشئهم ونحفزهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.
وطالما تستمر الأمة في إنتاج شخصيات مثل خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي فلن يضيع شيء، فعلى الأمة أن تقود وتحفز شبابها مثلما قاد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ومن بعده أمته، وأول درس علينا أن نعلمه لشبابنا هو ألا يخشوا أحدًا إلا الله عز وجل.
الهجوم على الإسلام
كشخصية غربية مسلمة..كيف نتصدى لمن يهاجم الإسلام من بعض الغربيين؟
- منذ وقوع أحداث 11 من سبتمبر، تم إطلاق حملة دؤوبة لتحويل الإسلام إلى شيء أكثر استساغة بالنسبة للمجتمع الغربي، فعلينا قبل هذا أن ننظر ونتصدى لمن يهاجمون الإسلام وقيمه وأخلاقه وفرائضه وسننه وهم محسوبون عليه ويعيشون على أرضه، فعلينا إصلاح أنفسنا أولاً، فكيف نواجه أعداءنا ونحن نهاجم من الداخل، على المسلمين قبل البحث في قضايا الإسلام وفوبيا والتصدي لما يقوله أعداؤهم أن يتصدوا لمن يهاجمون الإسلام من الداخل.
احتاج لوقت
بعد إسلامك .. هل تعملين حالياً بالدعوة في بلادك؟
- حتى أدخل إلى مجال الدعوة أعتقد أنني بحاجة لدراسة أوسع وفهم أعمق، لأستطيع أن أحمل الدعوة وأواجه من هم أعلم، وأنا أتمنى ذلك لكن ليس قبل أن أكمل دراساتي المعمقة حول الإسلام.
وأعكف الآن على تعلم الإسلام حتى أستطيع أن أدعو إليه، فعمري في الإسلام ثلاث سنوات فقط، وهذا ليس كافيا حتى أكون داعية حقيقية للإسلام، لذلك أحاول أن أتعمق في الآداب الإسلامية، وأكتب الآن العديد من المقالات عن الإسلام في جرائد مختلفة منها مقال عن الحجاب نشر في جريدة «الواشنطن بوست».
قصة الإسلام
الكثير من الغربيين يتساءلون عن السبب الحقيقي لإسلامك ؟
- لا أدرى لماذا، فأنا لست المرأة الغربية الوحيدة التي تتحول إلى الإسلام، فهناك عشرات الآلاف من النساء في الغرب اللاتي تحولن إلى الإسلام.
ماذا عن القصة الحقيقية لإسلامك بعد أن كتبت الصحف البريطانية عنها واعتبرتها أنت تلفيقات؟
- بعد أحداث 11 سبتمبر والتلويح الأمريكي بضرب أفغانستان، رأيت كصحفية أن أقترب من الصورة أكثر، فسافرت إلى أفغانستان لأنقل للعالم استبداد حكومة طالبان وظلمها للمرأة، وكيف ستواجه هذه الحكومة الغاشمة الحرب الأمريكية، فتسللت لأفغانستان متخفية في لبس امرأة أفغانية على ظهر حمار بين شقوق الجبال، ووصلت للعاصمة كابول وانبهرت من الاستعداد النفسي لدى الأفغان لمواجهة الحرب، وضحكت من سخرية امرأة أفغانية منها لأنها أم لطفل واحد، بينما الأفغانيات يلدن 15 طفلة من أجل الحرب والاستقلال لبلاد لم تعرف الاستقرار منذ ربع قرن.
وعندما أنهيت مهمتي الصحفية أردت الرجوع إلى بلدي فوقعت في الأسر على يد حركة طالبان، حاولت الرجوع لباكستان من خلال طرق جانبية منتحلة شخصية امرأة أفغانية خرساء اسمها «شميم»، مسافرة مع زوجها إلى قرية في ضواحي جلال آباد لزيارة أمه المريضة، وعلى الحدود سقطت من فوق الحمار الذي أركبه فصرخت باللغة الانجليزية، وتسقط الكاميرا التي أحملها، ليتحول الأمر إلى كارثة ورعب بعد أن سمعني أحد جنود طالبان..
لن أنسى تلك النظرة في وجه ذلك الرجل من طالبان وهو يرى الكاميرا، ووسط مشاعر الرعب كان لدي أمل في أن يبتعد ولكن ذلك لم يحدث، انفجر الرجل غاضباً وسحبني من على ظهر الحمار وحطم الكاميرا، وخلال دقائق تجمع حشد من الناس وهم يصرخون: جاسوسة أمريكية..جاسوسة أمريكية.
أحسست أن الموت قريب مني، خاصة حين نقلوني في سيارة تحمل علماً عليه صورة أسامة بن لادن، وكنت أفكر في رعب كيف سيعرف العالم وسط هذا الصخب والاستعداد للحرب أنني هنا في أفغانستان أسيرة لدى طالبان؟!
لم يقم أحد من الرجال بتفتيشي بل أرسلوا لي امرأة لذلك ليعرفوا ما إذا كنت أحمل سلاحاً، وبعد أن انتهت المرأة من عملية التفتيش صفعتني بالقلم لأنني متهمة بكوني جاسوسة أمريكية ليس أكثر.
تم نقلي إلى مكان مجهول، وكانت المفاجأة الأولى لي أن المكان مكيف وملحق به دورة مياه نظيفة، والمفاجأة الثانية كانت المعاملة اللطيفة من قبل الحارس والمترجم والمحقق، واندهشت عندما قال لي المترجم والحارس لم أضربت عن تناول الطعام، نحن غير سعداء لأنك ترهقين نفسك دون داع، واستدعوا لي الطبيب ليتابع وضعي الصحي، أما المفاجأة الثالثة أنهم أحضروا لي شيخا يحدثني ويدعوني للإسلام وذلك بعد أن أعلنت حركة طالبان أنها ستفرج عني لأسباب إنسانية، وحصل مني الشيخ على وعد بدراسة الإسلام.
وجدت هذا الأمر فرصة للخروج من هذا الأسر البغيض، فتكلمت وكنت وقتها لا أفكر سوى في العودة إلى بلدي وأنا على قيد الحياة، وكنت سوف أعدهم بأي شيء في سبيل أن يتركوني، وبالفعل أطلقت حركة طالبان سراحي لأعود إلى بلدي، وأنا أحمل متناقضات كثيرة ما بين ماسمعته عن طالبان وما رأيته بعيني وعايشته فترة الأسر.
لم أر رجلا واحدا يتفحص جسدي أو يتحرش بي، وعند مغادرة أفغانستان لم أجد سوى الابتسامة لسجاني على حسن المعاملة رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها.
وماذا حصل لك بعد العودة؟
- عدت إلى بلدي واستقبلتني عدسات الكاميرات كي أتحدث عن معاناتي في سجون حركة طالبان وكانت الصدمة إعلان أن حركة طالبان المتهمين بأنهم أسوأ نموذج للإسلام يستحقون كل احترام بعد أن التزموا بوعدهم ولم يتعاملوا معي بعدائية، وحتى حين قاموا ببعض المناورات النفسية كانوا محترمين.
تذكرت بعد عودتي الوعد الذي قطعته على نفسي أمام الشيخ أن اقرأ عن الإسلام، وبالفعل بدأت اقرأ بموضوعية ودراسة أكاديمية في كل ما يقع تحت يدي عن الإسلام، وما هي إلا شهور حتى أعلنت إسلامي بعد 30 شهرا من وقت الاعتقال بحثا عن الحقيقة في رحلة روحية وقراءة القرآن.
وبمجرد إعلان إسلامي لاقيت من الهجوم والمضايقات الكثير، حيث تلقيت تهديدا بالقتل وتمَّ الاعتداء عليَّ بالضرب من قِبل السلطات البريطانية رغم انه كانت مفضلةً لدي حكومة بلير البريطانية، وجاءني رسائل تقول إنَّ أي شخص يعتنق الإسلام أو يرتدي الحجاب في الغرب يضع نفسه في الخطوط الأولى للصدامِ.
أما أسرتي فكان الوضع مختلفا، فلدي أخت جارة لعائلة مسلمة فرحت بهذا الأمر كثيرا، وأختي الأخرى المتأثرة بالإعلام الغربي قالت لي بسخرية: أعتقد أنك قريبا ستحملين حزاما ناسفا وتفجرين نفسك في عملية انتحارية، أما الأم فقد لجأت إلى الكنيسة للتأثير علي، لكني تمنيت لوالدتي أن تسلم قريبا.