-A +A
علي الرباعي (الباحة)
ينظر بعض المسلمين إلى التراث بكل ما يحتوي من آثار وأقوال وحكم ووقائع نظرة تقديس مبالغ فيها، يقينا منهم أن كل التراث صحيح ولا يتطرق إليه احتمال أو شك أو ضعف ولا يجوز رد شيء منه، في حين يريد البعض نسف التراث بمجمله ومجموعه والتخلي عنه ظنا منهم أننا إذا تخلينا عن تراثنا سنكون في مصاف الأمم المتحضرة.
المفكر الأردني فهمي جدعان، يرى أن التصفية والمراجعة مشروعة بل وضرورية في حق التراث، ذلك أن البناة المؤسسين وتاريخ الرجال تعرض للنقد والفحص، ويبدي تعجبه من تحول هاجس التراث إلى هاجس أقوى، مشيرا إلى أن إشكالية التراث تكمن في ثلاث علائق أساسية الأولى دينية الإسلام ولحمتها وسداها، إذ ما من تعريف أو تحديد للتراث قادر على أن يغفل الحضور الديني فيه ما يضفي عليه ثوبا من القداسة حتى وإن كان بسيطا إلا أنه معقد.

وأضاف كذلك تتعلق به القومية العربية كون العرب هم من أنجزوا التراث وصاغوه وورثوه وبه تحددت هويتهم في التاريخ، لافتا إلى أن العلاقة الثالثة إنسانية لأن التراث إنتاج بشري صنعه الإنسان، فالتراث العربي والإسلامي لا يتحدد بدلالته القومية أو الدينية وإنما أيضا بدلالته التمدنية والتحضرية التي تضفي عليه طابع السمو والرفعة.
وأوضح جدعان أن مفهوم التراث من أكثر المفاهيم تجريدا وإثارة للبس والإيهام، كوننا لا نستخدمه استخداما واحدا فتارة هو الماضي بكل بساطة، وتارة هو العقيدة، وتارة هو الإسلام عقيدة وتاريخ وحضارة، وتساءل هل يمكن تحديد العلاقة بين التراث وبين الحقيقة وبينه وبين الواقع، وهل هو موطن لحقيقة أو حقائق ثابتة؟.
ويؤكد أن الإجابة على تساؤلات الباحثين في التراث ليست هي التي تستجيب لصراخ الثوريين والعصريين، وليست في التلفيق المصطنع، وإنما هي تلك التي تتجسد فيها كينونة إنسانية طبيعية فاعلة لا تلوي عنق التراث وتلفه بمصنوعات الفكر، ولا تلك التي تحيط العنق بطوق يثبته على حالة واحدة إلى الأبد.
مبينا أن الموضوعية تستدعي أن نتعامل مع التراث باعتباره ظاهرة طبيعية ممتدة في التاريخ ذات عناصر تتأثر وتؤثر وتسكن وتتحرك ويسقط منها في الطريق أشياء وتبقى أشياء، مؤملا أن تتم قراءة التراث من خلال معطيات نفسية وجمالية وعملية مع التركيز على إبداع التراث وتوجيهه علما بأن توجيه التراث المبدع ليس أمرا يسيرا في ظروف العالم الراهنة كوننا لسنا سادة أفعالنا كلها، مضيفا أنه مع العقلانية الرشيدة شرط عدم الافتئات على المركبات الأخرى للطبيعة الإنسانية باعتبارها أسهمت في بناء تجربة الإنسان من خلال العقل والعاطفة.