-A +A
أحلام محمد علاقي
«إنت مو صايمة؟» أتتني هذه التهمة زورا وبهتانا من قبل إحدى الصديقات وذلك عقب اتصالي بها في الثانية ظهرا في أحد أيام رمضان. نعم! الثانية ظهرا حسب التوقيت المحلي لمدينة جدة. أي بعد صلاة الظهر بمراحل. أي بعد منتصف اليوم بمراحل.
أتى صوتها المكتوم المتعجب ليشعرني وكأنني اتصلت بها في الرابعة فجرا. بل ربما لو اتصلت بها في الرابعة فجرا لوجدتها ترحب بي بحرارة أكبر من تلك ولوجدت وقت اتصالي معقولا أكثر من ذاك.

لا أعلم متى تستيقظ صديقتنا من نومها – وعليها بالعافية. ولكن اليست الساعة الثانية ظهرا وقتا متأخرا ليبدأ الإنسان يومه؟ بجميع المقاييس العالمية؟
وصديقتنا أم ولها أطفال – فهل يستيقظ أطفالها كعادة الأطفال مبكرين ويمضون النهار مع المربيات بينما تنام الأم؟ أو هل ياترى يشترك الأطفال في سيناريو النوم المتأخر والاستيقاظ المتأخر مما يؤثر سلبا على نموهم وروتينهم كأطفال؟ أعرف أن رمضان شهر واحد ومن حق الأطفال أن يشعروا به ويشاركوا الأهل الفرحة والاحتفالات ولكن كيفية هذه المشاركة هي السؤال.
جميل أن يشعر الأطفال بهويتهم الدينية وبتميزهم كمسلمين وبثقافتهم المحلية ومن ضمنها الفرح بقدوم رمضان بشعائره الدينية المتميزة وروحانيته وحكمته التي تذكرنا بالمحرومين وتعلمنا الصبر. يتعلمون سير الرسول والصحابة وأحداث التاريخ في رمضان، وجميل ان يفرحوا بالأطعمة والمشروبات المرتبطة بهذا الشهر- وسماع قصص زمان وغيرها مما يقوي ارتباطهم الديني والوطني وهويتهم المتميزة المرتبطة بهذه الأرض المقدسة وكم هم محظوظون بذلك دونا عن المسلمين قاطبة بجوارهم لمكة والمدينة وهي أماكن يحلم بعض المسلمين برؤيتها ويبيعون بيوتهم وأملاكهم ويبذلون كل غالٍ يملكونه لأداء عمرة او تحقيق حلم بالحج. ويعودون لبلدانهم غير مبالين بما فقدوا من «تحويشة العمر» في سبيل شد الرحال الى بيت الله وزيارة الرسول عليه السلام. بينما ينعم شعبنا الكريم بهذا الجوار وبهذا الفضل من رب العالمين إلى جانب تسهيلات عظيمة لأداء المناسك الدينية لا تتوفر لأي شعب آخر.
ولكن سيناريو السهر الليلي والنوم النهاري هذا هل يناسب الأطفال؟ بل هل يناسب الكبار من الصائمين؟ طبيعي جدا أن يرى الطفل ما يطبقه والداه ويقلده كقاعدة. فهل نريد أن ننشئ جيلا يرتبط لديه مفهموم رمضان بانعكاس آية الليل والنهار التي سار عليها الكون منذ نشأته الأولى.
دعتني صديقة إلى السحور وكان الحفل يبدأ في الثانية بعد منتصف الليل حسب التوقيت المحلي لمدينة جدة العامرة الساهرة. وحينما اعتذرت لأن هذا وقت نوم بالنسبة لي – إذا بي أسمع التهمة تتكرر: «إنت مو صايمة؟» أي أن مفهموم الصيام أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا بالسهر الليلي والنوم النهاري ومن لا يفعل ذلك فهو احد الاثنين: إما مجبور على الاستيقاظ لدوام مهم، أو إنه ببساطة: «غير صائم». لاحول ولا قوة إلا بالله. أصبح من ينام ويستيقظ مبكرا متهما في دينه وفي تطبيقه لأحد أركان الإسلام الخمسة! فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
وبعد كل هذه الساعات الطويلة المهولة من النوم «والتسدح والتبطح» تأتي بعض النساء ومثلهن الرجال فيشكون من زيادة الوزن في رمضان!
وزيارة لأحد السوبرماركتات في جدة فسرت لي أسباب التخمة. فبينما ُيشبع الصائم عادة تمرات وبعض الشوربة أو السمبوسك أو السلطة وربما أقل القليل من طبق الفول الرمضاني التقليدي الجداوي – يملأ بعض الصائمين عربات التسوق باللحوم والأرز والمكرونة وأنواع القشطة والسمنة والمكسرات والمشروبات المحلاة حلاوة شديدة - هذا غير الحلويات المصنوعة من مواد نشوية ودهون حيوانية مشبعة ودهون صناعية مهدرجة وتكون محشية بالمكسرات او القشطة او الأجبان ومقلية بالزيت العميق ومغطاة بالقطر أي أنها «جمعت جميع المحاسن» وحصة صغيرة منها تمثل أمراض الكوليسترول والسكر والسمنة مقدمة لك على طبق من بورسلين. رأيت أحدهم في السوبرماركت يقف على ركن «الديلي كاونتر» الذي يبيع المرتديلا والأجبان وغيرها وشهدت شراءه لما لا يمكن وصفه من كميات الزيتون والمخللات واللحوم المحفوظة والمربيات والأجبان وتساءلت كيف ومتى يمكن لإنسان ذي شهية طبيعية في خلال فترة الصيام الصيفية هذه بنهارها الطويل وليلها القصير استهلاك كل هذه الأطعمة وهذه النوعية منها؟
اللهم لا حسد وصحتين على قلبه وقلب كل الآكلين والشاربين والنائمين بشهرنا الفضيل. وينعاد عليكم.