-A +A
صالح الزهراني (جدة)
رغم استباق رمضان بالإعلان عن تخفيضات تصل إلى 70 % في الكثير من السلع والخدمات، إلا أن غالبية المحلات التي تتسابق على هذا النهج من أجل كعكة تصل إلى 100 مليار ريال من السلع الاستهلاكية وغيرها تواجه اتهامات بتحويل رمضان إلى شهر للربح الوفير والتخلص من المخزون الراكد في المخازن طوال العام. ووفقا لتأكيد خبراء الاقتصاد، فإن التجهيز للشهر الكريم يبدأ قبل رمضان بشهرين على الأقل، من خلال رفع أسعار السلع في المحلات بنسبة كبيرة وعندما يحل رمضان يتم الإعلان عن تخفيضات تتراوح بين 10 - 70 %، لتباع السلعة على الأقل بنفس السعر الذي كانت تباع به قبل رمضان وربما أكثر، وبالتالي يتضح أن غالبية العروض والتخفيضات المعلنة وهمية أو غير حقيقية. ووفقا للخبراء فإن المملكة تعتمد بصورة أساسية على استيراد غالبية السلع من الخارج، ربما بنسبة تتراوح بين 80 – 90 %، وهو ما يلقي بظلال كثيفة على أسعارها نتيجة لتدخل عوامل عدة في الاستيراد من الخارج، منها وفرة المعروض السلعي وسعر الدولار، والأسعار في البورصة العالمية.

ديون في رمضان
يقول الاقتصادي عادل عبدالشكور: إن رمضان يشهد زيادة في الاستهلاك سنويا تقدر بـ 200 % في السلع الاستهلاكية، والملابس والأثاث، وغيرها حيث لايزال موسما رئيسيا للتجار كل عام. وأشار إلى أن غالبية الأسر تخرج مستدينة من الشهر الكريم، وذلك لغياب السلوك الاستهلاكي الصحيح، ولفت إلى أهمية إحداث نقلة في طريقة التعاطي مع الأسواق بشكل عام، من خلال تحديد الاحتياجات بشكل دقيق والالتزام بها أثناء التسوق. وأبدى أسفه لتحويل البعض شهر رمضان إلى فرصة ذهبية من أجل التخلص من المخزون الراكد طوال العام من خلال الإعلان عن تخفيضات تصل إلى 70 %، مشيرا إلى أن غالبيتها غير صحيحة. وقال «أي تاجر لا يمكنه أن يتنازل عن هذه النسبة الكبيرة من ربحه إلا إذا كان قد رفع السعر قبل الإعلان عن التخفيض ليبيع في النهاية بالسعر الذي يريده وربما أكثر من سعر نفس السلعة قبل رمضان».


تحايل التجار
والتقط طرف الحديث رئيس للجنة المحامين في غرفة جدة ياسين خياط، مشيرا إلى تحايل بعض التجار على الضوابط الموضوعة من أجل الحصول على تصاريح بالتخفيضات من الغرف التجارية، وذلك بتقديم فواتير غير حقيقية للسلع، ليتم على ضوئها الموافقة على نسبة التخفيض، وغالبا ما تكون هناك مبالغة في الفواتير لضمان أعلى ربح للمحلات، وأشار إلى أن رمضان تحول إلى موسم أكثر من ممتاز لتصريف السلع الموجودة في المخازن منذ شهور، والتي غالبا ما يبرر التجار من خلالها الإبقاء على الأسعار مرتفعة.

غياب الرقابة
من جهته يرى رجل الأعمال عبدالحكيم السعدي أن ما يدفع التجار في السوق السعودي إلى التجاوز والتلاعب هو غياب الرقابة التي وصفها بالهامشية، لافتا إلى أنه في الخارج يخشى التجار غضبة المستهلكين ضدهم، الأمر الذي يكلفهم تعويضات تصل إلى الملايين، أما في المملكة وعلى الرغم من بروز جمعية حماية المستهلك منذ سنوات، إلا أن الأمور مازالت تدار بالمجاملة من أجل إسكات الشاكي.. ولفت إلى أهمية تعزيز الثقافة الحقوقية، واللجوء إلى القضاء في حالة شعور المستهلك بالظلم والغبن من جانب أي وكيل، مؤكدا على أهمية أن تشعر الجهات الرسمية المستهلك البسيط بأنه صاحب حق وأن هناك من هو على أتم الاستعداد للاستماع له. وطالب المستهلكين المتضررين من السلع المغشوشة وتكتلات التجار في رفع الأسعار إلى ضرورة التقدم بشكاوى جماعية للجمعية أو القضاء من أجل رفع الضرر عنهم، وعلى وزارة التجارة أن يكون لها دور أكبر في حماية حقوق المستهلك والتصدي للممارسات السلبية في الأسواق وفي صدارتها التكتلات السرية بين التجار من أجل رفع الأسعار في وقت واحد.

زيادة الاستهلاك
يقول المواطنون علي الغامدي، وأحمد عبد الله، ومحمد الزهراني: تشهد الأسواق في المملكة زيادة كبيرة في حجم الاستهلاك خلال شهر رمضان المبارك، وهو ما يدفع التجار إلى الإعلان عن تخفيضات في بعض السلع من أجل استقطاب الزبائن، وعادة ما تكون السلع المعلن عنها التخفيض محدودة، وموديلاتها قديمة، وقد خضعت للتخفيضات حتى يتم تصريف المخزون الكبير منها. ومن واقع متابعة لما يجري في السوق نلاحظ أن أغلب هذه التخفيضات وهمية، حيث اشترينا سلعا بمبلغ معين قبل أشهر، ومع قدوم شهر رمضان رأيناها في التخفيضات بنفس الأسعار أو ربما تزيد، وأشاروا إلى أن التخفيضات تكثر على الملابس وبعض الأصناف المحدودة من السلع الاستهلاكية، فيما تظل مئات الأصناف بدون تخفيض وعندما يدخل المرء ليشتري سلعة ما، يفضل أن يكمل تسوقه من نفس المحل، فتزيد الفاتورة عند الحدود، وبالتالي ينتهى أثر أي تخفيض معلن من البداية، وعادة ما نلاحظ مقابل التخفيض في بعض السلع ولكميات محدودة ارتفاعا في الأصناف الأخرى من أجل التعويض. وأشاروا إلى أن المستهلك يمكنه الهروب من فخ التخفيضات الوهمي من خلال الشراء المبكر قبل دخول الموسم، طالما كانت السلعة متوفرة في السوق، وانتقدوا محاولات التجار لتمرير التخفيضات الوهمية من خلال فواتير وهمية، واصفين ذلك الأمر باللعبة، وأشاروا إلى أن السوق السعودي مفتوحة، وكان من المفترض أن يؤدي دخول الماركات العالمية من كافة الأسواق إلى انخفاض في الأسعار، إلا أنها مازالت تسجل زيادات مستمرة بدون مبرر.



الغرفة التجارية: مخالفات التخفيضات فردية
نفى مصدر مطلع في الغرفة التجارية بجدة أن يكون هناك قصور من جانب الغرف التجارية في متابعة التخفيضات وخاصة في موسم رمضان، مشيرا إلى أن فترات التخفيضات تختلف من سلعة إلى أخرى وذروة الموسم ومعدلات الإقبال، وقال إن التصاريح الممنوحة تحدد الفترة والسلع التي تخضع للتخفيض، من واقع الفواتير المقدمة من التجار، مشيرا إلى أهمية التخفيضات في إنعاش المبيعات، ورفض الإقرار بوجود تلاعب في الفواتير للموافقة على تخفيضات وهمية تحقق ربحا كبيرا للتجار فقط، إلا أنه لم ينف وجود مخالفات فردية يتم اكتشافها وعلى الفور يتم إلغاء التخفيضات.. وطالب المستهلك بأن يكون أكثر وعيا وعلى دراية بموسم الانخفاض والارتفاع في الأسعار، وألا يشتري في أوقات الذروة أي في ليالي رمضان الأولى أو في صباح العيد.

التجارة: التصدي للتخفيضات الوهمية مسؤولية مشتركة
أكد مصدر مسؤول في وزارة التجارة حرص الوزارة على متابعة التخفيضات الموسمية لضمان وصول السلعة للمستهلك بالسعر المناسب مستفيدا من التخفيضات المعلنة في غالبية المحلات.. وأشار إلى أن التصدي لأي تخفيضات وهمية مسؤولية مشتركة بين الوزارة والمستهلكين وذلك من خلال الإبلاغ عن أي مخالفات أولا بأول، وأرجع الاختلاف في الأسعار من سوق إلى آخر وربما داخل السوق نفسه إلى عوامل مختلفة منها الإيجارات وطريقة عرض السلعة، وغيرها من التكاليف غير المنظورة، مؤكدا أن فريق وزارة التجارة تقوم بجولات مستمرة على الأسواق من أجل التأكد من الالتزام بالأسعار، وذلك دون أن ينفي إمكانية أن تشهد الأسعار زيادة في المواسم لارتفاع معدلات الإقبال.. وأشار المصدر إلى إحالة عدد من التجار المخالفين إلى محاكم ديوان المظالم، مؤكدا على ضرورة التحرك الجماعي من أجل الحد من السلع المغشوشة والمقلدة التي تضر بالمستهلك والسوق بشكل عام.