نخب كثيرة تترقب منذ تسلم وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي الحقيبة الوزارية العتيقة، التي مر عليها وبها رموز وطنية ترك كل منهم بصمته التي لا يمكن أن يتجاهلها المواطن البسيط والمثقف العضوي، ولم يترك الوزير الطريفي المتابعين والحريصين يتخرصون طويلا، إذ سرعان ما اختار رئيس التحرير السابق الكاتب جاسر الجاسر لإدارة قناة الإخبارية، ووصف مختصون هذا القرار بالنوعي كونه يضع قدرات كبيرة في موقع يستوعب كثيرا من المعطيات والمهارات للتطوير والتحديث، ولم يكد تمر أشهر حتى تم تعيين الأستاذ محمد الفال رئيسا لتحرير «عكاظ»، والدكتور عثمان الصيني رئيسا لتحرير الوطن، والأستاذ راشد الراشد رئيسا لتحرير صحيفة الرياض، ما يؤذن بنقلة نوعية في العمل الصحفي والإعلامي عموما في إطار (ثقفنة) الإعلام، إلا أن التطلعات الكبرى والآمال الوطنية لا تزال معلقة بالوزير الأشب، كون واقع الثقافة يحتاج إلى قرارات جريئة وصارمة تحل الإشكاليات القائمة وترتقي بالعمل الثقافي النوعي بما يواءم مكانة المملكة في المحافل الإقليمية والدولية وحضورها الاقتصادي والسياسي، كما وأنه في ظل متغيرات متدافعة وجارحة أحيانا نرى أنه آن أوان إسهامنا في التشكل الحضاري السلمي للبشرية من خلال حضور المثقف السعودي الإنساني النقي من الآيديولوجيات المتعصبة والأفكار الميتة والأساليب التقليدية، وأزعم أن الوزير له رؤيته القائمة على خبرة ودراية ودراسات متخصصة كونه على صلة وثيقة بالمشهد الثقافي منذ كان كاتبا في الصحف المحلية، ولا يعني التطوير والتحديث أن نتخلى عن البعد الإسلامي في الثقافة السعودية، إلا أن الانفتاح على الثقافات الأخرى يفعل نصوص الشرع الداعية إلى التفاعل والتكامل مع الإنسان أينما كان، وستظل اللغة العربية الفصحى أمثل اللغات في نشر ثقافتنا والتعبير عن هويتنا السعودية، كوننا أبناء وأحفاد من سكن هذه الديار منذ آلاف الأعوام وتوارثنا هذه اللغة النقية لغة القرآن ما يتوجب مزيد عناية بها وجعلها شرطا أساسيا لكل عضوية أو انتماء ثقافي في أي مؤسسة ثقافية أو إعلامية، فاللغة المشوهة تعبير عن كيانات ومعطيات مشوهة ونحن نسعى للكمال في كل مجال، والمؤمل اليوم فتح المجال الإعلامي لمزيد من البرامج الثقافية المتنوعة مع الاهتمام بالتنشئة الثقافية للطفل وربطه بتراثه وهويته وقيمه الأصيلة، والحاجة ملحة أن نولي جل الاهتمام بالكتاب لما له من دور في نشر الثقافة ورفع مستوى الوعي، وذلك بتسهيل حركة الطباعة والنشر وتيسير وصول الكتاب إلى القارئ والحد من الرقيب الاعتباطي الذي يبني القرار على العناوين مع العلم أن (الجواب ليس من عنوانه دائما)، وفي ظل رغبة بعض رجال الأعمال الإسهام في العمل الثقافي أرى عقد شراكات ملزمة مع القطاع الخاص لدعم الأنشطة الثقافية، ومنح المزيد من الفرص لرجال الأعمال لتمويل المشاريع الثقافية مع التوسع في إنشاء المكتبات ومراكز المعلومات والمؤسسات الثقافية بهدف الارتقاء بالوعي الثقافي وتوظيف التقنية لخدمة هذه الأهداف، وبرغم زخم معارض الفنون التشكيلية على أنواعها إلا أنها بحاجة إلى تأمين المتاحف وصالات العرض المناسبة، في حين لا يزال المسرح أبو الفنون معطلا من عقود دون مبررات موضوعية والمسرحيون يعملون بجهود ذاتية وحققوا نجاحات تستحق المفاخرة بها، ولا أنسى أهمية العناية بالموروث في كل منطقة وتوظيفه في خدمة الثقافة، مع دعم كل الجمعيات المتخصصة في التصوير والنحت والفنون بأنواعها شأن بلدان لا تملك بعض ما نملك من مقومات، ولا يخفى على وزيرنا الفطن أن الأندية الأدبية مرت بمنعطفات صعبة وتحديات متجددة، ما يعني أن هناك إشكالات كبرى في هذه المؤسسات لعلها تتمثل في العجز عن تمثل الرؤية الحقيقية للدور ثم الاضطلاع بالقيام به لخدمة المجتمع وتنويره، كونها أقرب إلى مؤسسات مدنية، ولن تعدم الوزارة بكل كفاءتها في وضع أطر جديدة لهذه البوابات الثقافية الوطنية لتكون أكثر فعالية وتضمن حضورها الحيوي والفاعل لتقديم المثقف النوعي، وإبراز ثقافتنا الوطنية المتنوعة بحكم تنوع البيئات للآخر خليجيا وعربيا وعالميا، فالنمطية حين يطول عليها الأمد دون تجديد تكون أقرب للتقليدية المنفرة، وهذا ما لا نرجوه لأنديتنا الأدبية.