كثر الحديث مؤخراً عن خصخصة المستشفيات. لذا من البديهي أن نسأل هذا السؤال: هل خصخصة القطاع الصحي ضرورة أم ضرر؟ ربما ستسارع الغالبية العظمى بالقول إن الخصخصة سلبية، ولكن قبل أن تبادر أخي القارئ (وقبل أن تبادري أختي القارئة) بالإجابة بالنفي أو الإيجاب، دعني أسألك سؤالاً آخر: ما هو نوع جهاز الجوال (الهاتف الذكي) الذي لديك؟ لن أكون مخطئاً إذا كانت الأغلبية تقتني جهاز الآيفون أو سامسونج! سيسألني سائل هنا: وما علاقة نوع جهاز الجوال الذي أستعمله بخصخصة المستشفيات؟!
سوف تتضح الصورة مع إكمالك لقراءة المقال:
شركة ابل المصنعة لجهاز الايفون وشركة سامسونج هي تجسيد عملي للفائدة العظمى التي تجنيها الدولة (بل العالم!) عندما يتم استغلال «الخصخصة» بطريقة سليمة! لو أن الولايات المتحدة الأمريكية (مقر شركة ابل) أو كوريا الجنوبية (مقر شركة سامسونج) لم تؤمن بالدور الحيوي والهام الذي تلعبه هذه الشركات في التنمية المحلية (والعالمية!) ولو أنها قامت بالتضييق على القطاع الخاص بحجة أن «الخصخصة» ضارة على المستهلك، لو لم يكن لدينا أجهزة جوال ذكية (ومن يدري ربما لم يكن لدينا حتى جوالات غبية!).
سيقول قائل: وما علاقة ما يحدث في دولة كأمريكا وكوريا الجنوبية بما هو الحال عليه في السعودية؟! أقول دعونا إذن نعود إلى السعودية لنناقش موضوع «الخصخصة» من الداخل! سنبقى في قطاع الاتصالات ولكن بدل أن نناقش موضوع الهواتف الذكية، سنناقش وضع الشركات المقدمة للخدمة. كيف كانت تجربة الخصخصة في قطاع الاتصالات بالمملكة؟. لا أعتقد أن أحدا يستطيع إنكار الفوائد المتعددة التي حصلت في هذا المجال بعد قرار الدولة بالاتجاه نحو «الخصخصة»، فوجود أكثر من مقدم للخدمة خلق الآلاف من الوظائف للشباب السعودي، كما أدى إلى توفر الخدمة بسرعة وأسعار معقولة. لا أتحدث هنا عن صورة وردية، فلا يزال هنالك العديد من التحديات في هذا القطاع، ولكن أتمنى أن الصورة اتضحت بخصوص النقلة النوعية التي أحدثها دخول القطاع الخاص في قطاع الاتصالات. سيقول قائل آخر: وما علاقة القطاع الصحي بما يحدث في قطاع الاتصالات؟! أقول سأعود بك أخي القارئ (وأختي القارئة) إلى مجال القطاع الصحي. لننظر إلى تجربة الخصخصة في الأنظمة الصحية في بعض الدول التي تسبقنا في مجال القطاع الصحي. لننظر على سبيل المثال إلى ثلاث دول متقدمة في القطاع الصحي: أستراليا، وألمانيا، وفرنسا.
ففي أستراليا: أكثر من 90 % من مراكز الرعاية الصحية الأولية تتبع للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 67 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي.
وفي ألمانيا: تقريباً جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية تتبع للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 50 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي.
أما في فرنسا: أيضا يتبع تقريبا جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 67 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي. إذن فإن «خصخصة» القطاع الصحي موجودة في الثلاث دول السابقة، وجميعها لديها أنظمة صحية ذات جودة عالية تفوق جودة القطاع الصحي الموجود لدينا بمراحل! بمعنى آخر: لم تؤثر الخصخصة سلبا على النظم الصحية في تلك الدول بل بالعكس، كان أثرها إيجابيا.
إذن أثبتنا بالبينة الدور الفعال والمهم الذي يلعبه القطاع الخاص في اقتصاد وتنمية أي دولة سواء في القطاع الصحي (أستراليا، فرنسا، وألمانيا) أو قطاعات أخرى كقطاع الاتصالات (ابل و سامسونج أو الشركات السعودية المقدمة للخدمة)، أريد أن أختم مقالي بموضوعين مهمين: الجودة والاستمرارية.
- الجودة: جودة أداء القطاع الصحي وتحسين المخرجات من الأمور المهمة التي تشغل أذهان صانعي القرار في القطاع الصحي السعودي. ومما لا شك فيه أن القطاع الخاص سيساعد في تحسين الجودة، إذا توفرت أنظمة وقوانين تحثهم على ذلك.
- الاستمرارية: مما لا شك فيه أن الغلاء وتزايد قيمة الإنفاق على الصحة من التحديات التي تواجه جميع دول العالم (سواء كانت غنية أو فقيرة!). وإذا ما نظرنا إلى النمو المتوقع في عدد السكان
ونسبة الأمراض المزمنة وغير المزمنة في المملكة، سنوقن أن الدولة (مع كونها دولة غنية ولله الحمد!) لن تتمكن من الاستمرار في ضخ المليارات على القطاع الصحي في السنوات والعقود القادمة بنفس حجم الميزانية الحالية. لذا إذا أردنا أن نساعد في ضمان «الاستمرارية» في القطاع الصحي، فإن الحل الوحيد هو تحفيز القطاع الخاص المسؤول (المحلي والعالمي) للدخول في القطاع الصحي السعودي، وخروج القطاع الحكومي تدريجياً من تقديم الخدمة الصحية واستبدال ذلك في المقابل بالتركيز على القوانين والأنظمة التي تضمن نجاح منظومة القطاع الصحي كاملة! بمعنى آخر، يجب أن ندفع نحو المزيد من «الخصخصة» في القطاع الصحي!
ولتفادي حدوث أي عواقب سلبية من «الخصخصة»، يجب توفر شرطين رئيسيين:
الأول: وجود القطاع الخاص «المسؤول» الذي وإن أراد الكسب المشروع، فلن يرضى بأن يكون ذلك على حساب الوطن والمواطن.
الثاني: وجود أنظمة وقوانين قوية تضمن الجودة ومراقبة الأداء وإثابة المحسن ومعاقبة المسيء. ومن أهم الأمور التي ستساعد في ذلك هو تحويل المجلس الصحي السعودي إلى مجلس تنفيذي برعاية كريمة، تضمن أن يقوم كل بدوره لضمان نجاح الخصخصة في القطاع الصحي.
سوف تتضح الصورة مع إكمالك لقراءة المقال:
شركة ابل المصنعة لجهاز الايفون وشركة سامسونج هي تجسيد عملي للفائدة العظمى التي تجنيها الدولة (بل العالم!) عندما يتم استغلال «الخصخصة» بطريقة سليمة! لو أن الولايات المتحدة الأمريكية (مقر شركة ابل) أو كوريا الجنوبية (مقر شركة سامسونج) لم تؤمن بالدور الحيوي والهام الذي تلعبه هذه الشركات في التنمية المحلية (والعالمية!) ولو أنها قامت بالتضييق على القطاع الخاص بحجة أن «الخصخصة» ضارة على المستهلك، لو لم يكن لدينا أجهزة جوال ذكية (ومن يدري ربما لم يكن لدينا حتى جوالات غبية!).
سيقول قائل: وما علاقة ما يحدث في دولة كأمريكا وكوريا الجنوبية بما هو الحال عليه في السعودية؟! أقول دعونا إذن نعود إلى السعودية لنناقش موضوع «الخصخصة» من الداخل! سنبقى في قطاع الاتصالات ولكن بدل أن نناقش موضوع الهواتف الذكية، سنناقش وضع الشركات المقدمة للخدمة. كيف كانت تجربة الخصخصة في قطاع الاتصالات بالمملكة؟. لا أعتقد أن أحدا يستطيع إنكار الفوائد المتعددة التي حصلت في هذا المجال بعد قرار الدولة بالاتجاه نحو «الخصخصة»، فوجود أكثر من مقدم للخدمة خلق الآلاف من الوظائف للشباب السعودي، كما أدى إلى توفر الخدمة بسرعة وأسعار معقولة. لا أتحدث هنا عن صورة وردية، فلا يزال هنالك العديد من التحديات في هذا القطاع، ولكن أتمنى أن الصورة اتضحت بخصوص النقلة النوعية التي أحدثها دخول القطاع الخاص في قطاع الاتصالات. سيقول قائل آخر: وما علاقة القطاع الصحي بما يحدث في قطاع الاتصالات؟! أقول سأعود بك أخي القارئ (وأختي القارئة) إلى مجال القطاع الصحي. لننظر إلى تجربة الخصخصة في الأنظمة الصحية في بعض الدول التي تسبقنا في مجال القطاع الصحي. لننظر على سبيل المثال إلى ثلاث دول متقدمة في القطاع الصحي: أستراليا، وألمانيا، وفرنسا.
ففي أستراليا: أكثر من 90 % من مراكز الرعاية الصحية الأولية تتبع للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 67 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي.
وفي ألمانيا: تقريباً جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية تتبع للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 50 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي.
أما في فرنسا: أيضا يتبع تقريبا جميع مراكز الرعاية الصحية الأولية للقطاع الخاص، بينما يتبع حوالي 67 % من المستشفيات إلى القطاع الحكومي. إذن فإن «خصخصة» القطاع الصحي موجودة في الثلاث دول السابقة، وجميعها لديها أنظمة صحية ذات جودة عالية تفوق جودة القطاع الصحي الموجود لدينا بمراحل! بمعنى آخر: لم تؤثر الخصخصة سلبا على النظم الصحية في تلك الدول بل بالعكس، كان أثرها إيجابيا.
إذن أثبتنا بالبينة الدور الفعال والمهم الذي يلعبه القطاع الخاص في اقتصاد وتنمية أي دولة سواء في القطاع الصحي (أستراليا، فرنسا، وألمانيا) أو قطاعات أخرى كقطاع الاتصالات (ابل و سامسونج أو الشركات السعودية المقدمة للخدمة)، أريد أن أختم مقالي بموضوعين مهمين: الجودة والاستمرارية.
- الجودة: جودة أداء القطاع الصحي وتحسين المخرجات من الأمور المهمة التي تشغل أذهان صانعي القرار في القطاع الصحي السعودي. ومما لا شك فيه أن القطاع الخاص سيساعد في تحسين الجودة، إذا توفرت أنظمة وقوانين تحثهم على ذلك.
- الاستمرارية: مما لا شك فيه أن الغلاء وتزايد قيمة الإنفاق على الصحة من التحديات التي تواجه جميع دول العالم (سواء كانت غنية أو فقيرة!). وإذا ما نظرنا إلى النمو المتوقع في عدد السكان
ونسبة الأمراض المزمنة وغير المزمنة في المملكة، سنوقن أن الدولة (مع كونها دولة غنية ولله الحمد!) لن تتمكن من الاستمرار في ضخ المليارات على القطاع الصحي في السنوات والعقود القادمة بنفس حجم الميزانية الحالية. لذا إذا أردنا أن نساعد في ضمان «الاستمرارية» في القطاع الصحي، فإن الحل الوحيد هو تحفيز القطاع الخاص المسؤول (المحلي والعالمي) للدخول في القطاع الصحي السعودي، وخروج القطاع الحكومي تدريجياً من تقديم الخدمة الصحية واستبدال ذلك في المقابل بالتركيز على القوانين والأنظمة التي تضمن نجاح منظومة القطاع الصحي كاملة! بمعنى آخر، يجب أن ندفع نحو المزيد من «الخصخصة» في القطاع الصحي!
ولتفادي حدوث أي عواقب سلبية من «الخصخصة»، يجب توفر شرطين رئيسيين:
الأول: وجود القطاع الخاص «المسؤول» الذي وإن أراد الكسب المشروع، فلن يرضى بأن يكون ذلك على حساب الوطن والمواطن.
الثاني: وجود أنظمة وقوانين قوية تضمن الجودة ومراقبة الأداء وإثابة المحسن ومعاقبة المسيء. ومن أهم الأمور التي ستساعد في ذلك هو تحويل المجلس الصحي السعودي إلى مجلس تنفيذي برعاية كريمة، تضمن أن يقوم كل بدوره لضمان نجاح الخصخصة في القطاع الصحي.