لدي انطباع كبير بأن توجه الإعلام المرئي «الترفيهي»، سواء من مسلسلات تلفزيونية وأفلام سينمائية على مستوى العالم المتقدم والدول الساعية إلى التقدم، لا يعكس عبر شاشاته الكبيرة والصغيرة طبائع هذه المجتمعات وثقافاتها وقضاياها الاجتماعية بقدر ما يهدف إلى التركيز على بث قصص وفانتازيا مشبعة بتجسيد أسطورة البطل الخارق والقادر على تحقيق المستحيل وصناعة المعجزات، وتنتهي دائما بانتصار الخير على الشر في رسالة تبث روح الأمل والتفاؤل، أما على مستوى ما يطرح لدينا فهو يقف على النقيض تماما، ففي مواسم ذروة الإنتاج المرئي الترفيهي في شهر رمضان المبارك، نكون على موعدنا السنوي المعتاد مع عدد من المسلسلات الخليجية والمحلية، وهي الخيار الوحيد في ظل انعدام عروض السينما، وهذه «الأعمال الدرامية» اعتدنا بأن تطغى عليها المشاهد التراجيدية الحزينة والبائسة، وكأنها تنتقي بتعمد كل ما هو سلبي في الواقع الاجتماعي وتكمله بعجينة محبطة من مشاهد البكاء والصياح والنياح، وتقدم لنا هذا الأنموذج الباهت باعتباره «وسيلة ترفيه»!!
لا شك أن هناك فارقا شاسعا بين النموذجين (العالمي والمحلي)، ويمتد ــ إن جاز التعبير ــ لآلاف السنين الضوئية من حيث الجوانب الفنية والتقنية، ولكن هذه الهوة اتسعت أكثر لتشمل فوارق جوهرية كبيرة أيضا في الرؤية والرسالة والأهداف ونوعية الطرح، فاستديوهات هوليوود ووالت ديزني وشركات الإنتاج الفني الأمريكية الشهيرة؛ مثل «إيه إم سي» و«إيه بي سي» التي تنتج أشهر الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، اشتهرت بقصص الشخصيات الخيالية الخارقة؛ مثل أسطورة الرجل الخارق (سوبرمان)، والرجل الوطواط (باتمان)، والرجل الحديد (آيرون مان)، والرجل الأخضر (Hulk)، ورامبو، والمرأة الخارقة، وسلسلة المهمة المستحيلة، ومئات القصص المبتكرة الأخرى لشخصيات «خارقة» لاقت رواجا وإقبالا ضخما، وألهمت خيال الصغار والشباب والأجيال الصاعدة، وأثرت وانعكست على تكوينهم الفكري بشكل أو بآخر، وهو جزء من أسباب تكثيف مؤسسات الإعلام المرئي الترفيهي في الولايات المتحدة هذا النوع من الطرح منذ صدور المسلسل التلفزيوني الشهير «مغامرات الرجل الخارق» عام 1938.
كما أن تسليط الضوء على ابتكار أفلام ومسلسلات عن الأبطال الخارقين يعتبر ظاهرة منتشرة في العديد من الدول، فإنجلترا اشتهرت بسلسلة العميل السري «جيمس بوند» و«هاري بوتر»، وأستراليا اشتهرت فيها سلسلة «ماكس المجنون» في السبعينات والثمانينات الميلادية ثم عادت مؤخرا، والصين اشتهرت بمسلسلات وأفلام أبطال ألعاب الفنون القتالية ويقوم أبطالها مثل «بروس لي» و«جاكي شان» و «جيت لي» بأداء مهارات خارقة للانتصار على خصومهم.
أما المسلسلات والأفلام الهندية فقد اشتهرت بالمبالغة المفرطة في إبراز القدرات الخارقة لأبطالها الذين لا يعترفون بالمستحيل لدرجة أنها أصبحت مثار سخرية لدى الآخرين، إلا أن عالم الترفيه التلفزيوني في الهند لا بد أنه لعب دورا في بث روح التفاؤل والتحدي وعدم اليأس لدى المواطن الهندي ليرتقي بوطنه، فبالرغم أننا كنا إلى عهد قريب لا نرى في الهند سوى أنها صورة نمطية للعالم الثالث، حيث تنتشر مظاهر الفقر والجهل والبطالة والجريمة والفساد والبؤس الاجتماعي، إلا أن «المستحيل» تحقق أخيرا، فالهند اليوم تحتل المرتبة السابعة بين أكبر الاقتصاديات في العالم، وحققت مؤخرا انجازا اقتصاديا بعد نمو اقتصادها خلال الربع الأخير من العام المالي المنتهي في 31 مارس الماضي بنسبة 7.5% ليصبح الاقتصاد الأسرع نموا في العالم، ووفقا لتوقعات الحكومة الأمريكية فإن الهند وبحلول العام 2030 ستتقدم على اليابان لتحتل المرتبة الثالثة بين أكبر اقتصاديات العالم.
أما على صعيدنا المحلي والخليجي، فإن إعلامنا الترفيهي يقف على الاتجاه المعاكس تماما، في ظل غياب الهوية والأفكار المستهلكة، وحتى مسلسل مثل «سيلفي» ، والذي لا أعلم على أي أساس تلقى إشادات عديدة برغم أنه اكتفى بنسخ صورة طبق الأصل من أبرز قضايانا الاجتماعية البائسة؛ كالتطرف والفساد والخلافات العقدية، أما المسلسلات الكويتية فهي على نفس الوتيرة منذ سنوات عديدة، تراجيديا مطعمة بالموسيقى الحزينة ومشاهد البكاء المكررة في كل حلقة ما عدا الحلقة الأخيرة التي عادة ما تنقلب فيها الأحداث ويفرح الجميع.
هذا الوضع السيئ لعالم الترفيه التلفزيوني في مجتمعنا، دفع المشاهدين الشباب للهروب من الشاشات التقليدية، والانتقال إلى الشاشات الرقمية في الفضاء الافتراضي وصناعة عالم جديد من الترفيه التلفزيوني بأنفسهم عبر «اليوتيوب» يحاكي طريقة تفكير الأجيال الصاعدة، وحققت برامج مثل «إيش اللي» و«التمساح» و«خمبلة» وغيرها الكثير، نجاحات باهرة لأنها استطاعت جذب ملايين المشاهدات خلال مدة وجيزة بالرغم من محدودية الإمكانيات المادية والفنية لدى هؤلاء الشباب مقارنة بالملايين التي تصرف على الدراما التلفزيونية.
ولذلك.. سعدت جدا بسماع خبر خسارة «مناحي» مؤخرا للدعوى القضائية التي رفعها ضد البرنامج اليوتيوبي «لقيمات» بتهمة الإساءة والتشهير، وكانت فكرة البرنامج الذي يقدمه الشاب عبدالمجيد الكناني تعتمد على النقد الساخر للأعمال الدرامية المحلية والخليجية، أو بالأصح دراما «الهم والغم».. فلا يلام.
لا شك أن هناك فارقا شاسعا بين النموذجين (العالمي والمحلي)، ويمتد ــ إن جاز التعبير ــ لآلاف السنين الضوئية من حيث الجوانب الفنية والتقنية، ولكن هذه الهوة اتسعت أكثر لتشمل فوارق جوهرية كبيرة أيضا في الرؤية والرسالة والأهداف ونوعية الطرح، فاستديوهات هوليوود ووالت ديزني وشركات الإنتاج الفني الأمريكية الشهيرة؛ مثل «إيه إم سي» و«إيه بي سي» التي تنتج أشهر الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، اشتهرت بقصص الشخصيات الخيالية الخارقة؛ مثل أسطورة الرجل الخارق (سوبرمان)، والرجل الوطواط (باتمان)، والرجل الحديد (آيرون مان)، والرجل الأخضر (Hulk)، ورامبو، والمرأة الخارقة، وسلسلة المهمة المستحيلة، ومئات القصص المبتكرة الأخرى لشخصيات «خارقة» لاقت رواجا وإقبالا ضخما، وألهمت خيال الصغار والشباب والأجيال الصاعدة، وأثرت وانعكست على تكوينهم الفكري بشكل أو بآخر، وهو جزء من أسباب تكثيف مؤسسات الإعلام المرئي الترفيهي في الولايات المتحدة هذا النوع من الطرح منذ صدور المسلسل التلفزيوني الشهير «مغامرات الرجل الخارق» عام 1938.
كما أن تسليط الضوء على ابتكار أفلام ومسلسلات عن الأبطال الخارقين يعتبر ظاهرة منتشرة في العديد من الدول، فإنجلترا اشتهرت بسلسلة العميل السري «جيمس بوند» و«هاري بوتر»، وأستراليا اشتهرت فيها سلسلة «ماكس المجنون» في السبعينات والثمانينات الميلادية ثم عادت مؤخرا، والصين اشتهرت بمسلسلات وأفلام أبطال ألعاب الفنون القتالية ويقوم أبطالها مثل «بروس لي» و«جاكي شان» و «جيت لي» بأداء مهارات خارقة للانتصار على خصومهم.
أما المسلسلات والأفلام الهندية فقد اشتهرت بالمبالغة المفرطة في إبراز القدرات الخارقة لأبطالها الذين لا يعترفون بالمستحيل لدرجة أنها أصبحت مثار سخرية لدى الآخرين، إلا أن عالم الترفيه التلفزيوني في الهند لا بد أنه لعب دورا في بث روح التفاؤل والتحدي وعدم اليأس لدى المواطن الهندي ليرتقي بوطنه، فبالرغم أننا كنا إلى عهد قريب لا نرى في الهند سوى أنها صورة نمطية للعالم الثالث، حيث تنتشر مظاهر الفقر والجهل والبطالة والجريمة والفساد والبؤس الاجتماعي، إلا أن «المستحيل» تحقق أخيرا، فالهند اليوم تحتل المرتبة السابعة بين أكبر الاقتصاديات في العالم، وحققت مؤخرا انجازا اقتصاديا بعد نمو اقتصادها خلال الربع الأخير من العام المالي المنتهي في 31 مارس الماضي بنسبة 7.5% ليصبح الاقتصاد الأسرع نموا في العالم، ووفقا لتوقعات الحكومة الأمريكية فإن الهند وبحلول العام 2030 ستتقدم على اليابان لتحتل المرتبة الثالثة بين أكبر اقتصاديات العالم.
أما على صعيدنا المحلي والخليجي، فإن إعلامنا الترفيهي يقف على الاتجاه المعاكس تماما، في ظل غياب الهوية والأفكار المستهلكة، وحتى مسلسل مثل «سيلفي» ، والذي لا أعلم على أي أساس تلقى إشادات عديدة برغم أنه اكتفى بنسخ صورة طبق الأصل من أبرز قضايانا الاجتماعية البائسة؛ كالتطرف والفساد والخلافات العقدية، أما المسلسلات الكويتية فهي على نفس الوتيرة منذ سنوات عديدة، تراجيديا مطعمة بالموسيقى الحزينة ومشاهد البكاء المكررة في كل حلقة ما عدا الحلقة الأخيرة التي عادة ما تنقلب فيها الأحداث ويفرح الجميع.
هذا الوضع السيئ لعالم الترفيه التلفزيوني في مجتمعنا، دفع المشاهدين الشباب للهروب من الشاشات التقليدية، والانتقال إلى الشاشات الرقمية في الفضاء الافتراضي وصناعة عالم جديد من الترفيه التلفزيوني بأنفسهم عبر «اليوتيوب» يحاكي طريقة تفكير الأجيال الصاعدة، وحققت برامج مثل «إيش اللي» و«التمساح» و«خمبلة» وغيرها الكثير، نجاحات باهرة لأنها استطاعت جذب ملايين المشاهدات خلال مدة وجيزة بالرغم من محدودية الإمكانيات المادية والفنية لدى هؤلاء الشباب مقارنة بالملايين التي تصرف على الدراما التلفزيونية.
ولذلك.. سعدت جدا بسماع خبر خسارة «مناحي» مؤخرا للدعوى القضائية التي رفعها ضد البرنامج اليوتيوبي «لقيمات» بتهمة الإساءة والتشهير، وكانت فكرة البرنامج الذي يقدمه الشاب عبدالمجيد الكناني تعتمد على النقد الساخر للأعمال الدرامية المحلية والخليجية، أو بالأصح دراما «الهم والغم».. فلا يلام.