-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
قررت الولايات المتحدة في شهر يناير من هذا العام إرسال أكثر من 21000 جندي إضافي إلى العراق. ومن المتوقع أن يرتفع العدد الكلي للقوات الأمريكية في العراق إلى 160000 بحلول شهر يونيو من هذا العام. إلا أن هذا العدد لا يشمل الأعداد الهائلة من «المتعاقدين العسكريين الخاصين» أو كما أسماهم عضو مجلس النواب الأمريكي الديمقراطي جون مارثا بـ «المرتزقة» الذين يتكون معظمهم من عسكريين وضباط شرطة سابقين ومدنيين أمريكيين ومرتزقة من دول أخرى تلقوا تدريبات عسكرية خاصة من قبل شركات أمن أمريكية أشهرها شركة «بلاكووتر» (الماء الاسود) الأمنية الامريكية وهي شركة خاصة مقرها ولاية كارولاينا الشمالية تحاط معظم أنشطتها بالسرية.
فقد ذكر جيرمي سكاهل مؤلف كتاب «الماء الأسود» أن الاعتقاد السائد هو أن عدد القوات الأمريكية الحالي في العراق يقدر بـ 145000 جندي. إلا أنه ووفقا لإحصائيات مكتب المحاسبة الحكومية الامريكي فإن هناك أكثر من 260000 أمريكي في العراق. فقد تعاقدت إدارات أمريكية (كوزارة الدفاع والإدارة الخارجية) مع أكثر من 126000 متعاقد في العراق، يعمل 48000 منهم كـ «متعاقدين عسكريين خاصين» يشكلون الجيش الخاص الأسرع نموا في العالم، وثاني أكبر قوة في العراق بعد القوات الأمريكية النظامية متفوقين بذلك على تعداد القوات البريطانية في العراق. فقد تعاقدت الإدارة الخارجية الأمريكية مع شركة «بلاكووتر» بعقد تصل قيمته إلى 750 مليون دولار لحماية الشخصيات الدبلوماسية كالسفير الأمريكي الحالي. وهذا العقد ماهو إلا واحد من العقود التي تظفر بها هذه الشركات، التي يقدر عددها بأكثر من مائة شركة أمنية خاصّة، والتي تبرمها إدارات حكومية أمريكية تحت غطاء هائل من الشروط السرية. وقد باتت هذه القوات جزءا رئيسيا من عمليات القوات الأمريكية في العراق بتوليها مزيدا من مهام كانت قوى الأمن والقوات العسكرية الرسمية تقوم بها وتشمل مهام قتالية وهجومية حتى صرح قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال باتريوس بأن الحرب على العراق لم تكن ممكنة من دون وجود هؤلاء المتعاقدين. ويتميز هؤلاء بأنهم غير خاضعين لأية سلطة قضائية مدنية أوعسكرية، أو أية رقابة أو شفافية أو قيود قانونية فعالة مما يسهل انتهاك هؤلاء لحقوق الانسان، بل وارتكاب أعمال إجرامية دون وقوعهم تحت طائلة القانون. وهو الأمر الذي دعا السيناتور الجمهوري لينزي جراهام إلى تمرير تشريع يخضع هؤلاء إلى القانون الأمريكي الموحد للقضاء العسكري. إلا أن القانون لم يطبق على أي متعاقد حتى الآن. ويتقاضى هؤلاء رواتب باهظة تصل إلى 30 ألف دولار شهريا (تعادل متوسط الراتب السنوي للجندي الأمريكي). ويتمتع هؤلاء بتأمينات كاملة يتحملها المواطن الأمريكي دافع الضريبة، ولا يتم تسجيل وفياتهم أو إصاباتهم ضمن الخسائر الرسمية للجيش الأمريكي. وقد قادت شركة «بلاكووتر» حملة لتقديم «المتعاقدين العسكريين الخاصين» كقوات شرعية إضافية مكملة للقوات الأمريكية النظامية وفكرة أقل كلفة وبديلة لمشروع زيادة حجم الجيش النظامي الأمريكي. وهي المبادرة التي تبناها الرئيس الأمريكي في خطاب حالة الاتحاد الماضي، حيث دعا لإنشاء «وحدة احتياط مدني» من المتطوعين تعمل على نحو شبيه بالاحتياطي العسكري الأمريكي الغرض منها تخفيف العبء عن كاهل القوات المسلحة، وتمكن من توظيف المدنيين الأمريكيين الذين يتمتعون بمهارات دقيقة للخدمة في مهمات خارجية منها الكفاح في مواجهة الارهاب. إلا أن المحللين السياسيين وصفوا المبادرة بأنها غطاء لما تقوم به الإدارة الأمريكية حاليا في العراق وهو تمويل هذا الجيش من المرتزقة باستخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين كوسيلة لتوفير غطاء لمضاعفة قوات الاحتلال وتمديد الحرب على العراق مما يشكل ضربة لمستقبل الديمقراطية الأمريكية. ويذكر أن مشروع القانون الحالي المقدم من الأغلبية الديمقراطية في الكونجرس ينص على جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، عدا العاملة في مكافحة ما يسمى بالإرهاب وتدريب الجيش العراقي. إلا أن المشروع يتجاهل انسحاب تلك الأعداد الهائلة من «المتعاقدين العسكريين الخاصين». ولو سلمنا جدلا بأن الأغلبية الديمقراطية نجحت في مشروع كهذا فإنه سوف يكون بمقدور الإدارة الأمريكية مواصلة الحرب بالقوات المتبقية في العراق وعدد لا محدود من «المتعاقدين العسكريين الخاصين».

afansary@yahoo.com