-A +A
عبدالمحسن هلال
أكد تقريران وزاريان صدرا مؤخرا الفجوة الكبيرة بين مخرجات الجامعات والتوظيف، وهي حقيقة معروفة منذ زمن بعيد، أو اكتشاف متأخر كثيرا، فقد تحدثت عنه عدة أبحاث ودراسات، بل ومقالات عامة كثيرة لكتاب أفاضل كثيرين، لكن لم يحرك أحد ساكنا، السبب المحوري لهذه الفجوة تعاظم أعداد خريجي الأقسام النظرية ممن تشبع سوق العمل بهم، وبرغم التوسع في الوظائف المهنية الأخرى، إلا أن المتقدمين لها قلة. الآن، وبغض النظر عن النقاش الأكاديمي عن علاقة الجامعة بسوق العمل، يظل أن هناك مهنا وتخصصات تتيحها الجامعات بوفرة ولا تتلاقى مع متطلبات سوق العمل، ما يعني هدرا للمال والجهد والوقت.
الجميل أن التحذير من الفجوة صادر هذه المرة عن جهتي اختصاص، وزارتي التعليم والخدمة المدنية، واللافت فيه أنه يرصد تفاقما للمشكلة برغم التصريحات السابقة بجدية التعامل معها، يقول تقرير وزارة التعليم إن عدد المستجدين الملتحقين بالجامعات وصل العام الماضي إلى أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، حوالي 54% منهم كانوا في مجالي الدراسات النظرية، فالسؤال لم تقبل الجامعات؟ وأن عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي خلال الخمس سنوات الفارطة بلغ 700 ألف طالب وطالبة، كان نصيب العلوم الهندسية والتقنية 35% العام 1431هـ، انخفض إلى 24% العام الماضي، وهذا جواب قبول الجامعات. وأشار تقرير الخدمة المدنية إلى أن نسبة المتقدمين على «جدارة 3» لم يمثل سوى 11% للتخصصات الطبية والهندسية والتقنية عموما، من أعداد المتقدمين البالغ 583 ألفا (المدينة، 4 رمضان الفائت)، وهي نتيجة أخرى، فأي خلل هذا وليس فجوة وحسب؟

ليس توسيعا للمسألة القول إنها ثقافة مجتمع، كخلفية للمسألة نعرف جميعا النظرة الاجتماعية للشهادة الجامعية، كوجاهة وليس كمؤهل للعمل، تذكرون جميعا يوم كانت وزارة التعليم «العالي» ترضخ لطلبات المجتمع بقبول الأبناء في الجامعات بأي تخصص كان، وإلا فإن الضياع سيكون مصيرهم، فتأمر الوزارة الجامعات بفتح باب القبول، بل تعلن هي نسب القبول، وتذكروا جميعا تضاؤل المتاح من الخيارات الأخرى ككليات متوسطة ومهنية ووظائف للمستويات دون الجامعية. كنا نرحل حل المشكلة من الثانوي إلى الجامعة إلى الدراسات العليا في أي تخصص كان، حتى تعاظم لدينا هرم مقلوب للشهادات، عليا وجامعية، مما لا يحتاجه سوق العمل. بالتالي فإن الحل لا تملكه وزارتا التعليم والخدمة المدنية، ربما العمل والشؤون الاجتماعية والإعلام، لخلق وظائف للمستويات الدنيا من التعليم، وخلق وعي جمعي بأن الجامعة ليست وجاهة أو ضمانا للحصول على وظيفة.