-A +A
محمد أحمد الحساني
ذات عام كنت في بهو أحد فنادق مدريد أنتظر زملائي الذين كنت معهم في مهمة عمل تخص المركز الإسلامي في أسبانيا وقد سبقتهم إلى البهو بعد تناولي الإفطار ومعي أوراقي وكنت مرتديا ثوبا وغترة وعقالا فاقترب مني رجل وحياني بتحية الإسلام فرددت عليه التحية بمثلها فقدم لي نفسه على أنه مهاجر من دولة عربية وأن مهنته المحاماة وأن ما جذبه نحوي هو ثيابي العربية التي نادرا ما يرى في مدريد من يتزيا بها وسألني عن وطني فقلت له: من بلاد الله! فتبسم ضاحكا من قولي وأردف قائلا: لعلك من مكة المكرمة أو من المدينة المنورة فعلمت أنه لماح ووجدت في الوقت فسحة لأسأله عن سبب هجرته نحو الشمال الغربي مع أن مهنة المحاماة في الوطن العربي هي مهنة محترمة إلى حد ما وتدر دخلا جيدا لأصحابها يغنيهم عن تكبد مصاعب وأحوال الهجرة والغربة فتنهد تنهيدة طويلة وأخذ يشرح لي سبب هجرته وخلاصة ما قاله أن مهنة المحاماة هي مهنة شريفة تعين القضاة على تبين الحق وتحارب الباطل والظلم والشر، وأن المحامين يقسمون عند تخرجهم أيمانا غليظة على أداء مهامهم بأمانة ونزاهة وعدل وأن يكونوا بجانب الحق وألا يدافعوا عن الظلم وكذلك يفعل المحامون في كل بلاد الدنيا ولكن مهنة المحاماة في وطنه تعرضت ــ على حد قوله ــ لاختلالات كبيرة جعلت بعض القائمين عليها لا يتورعون عن فعل أي شيء في سبيل الحصول على أكبر قدر من الكسب المادي الرخيص فيلجون في حجتهم ويحاولون اختراق الأجهزة العدلية حتى بلغت الأحوال ببعضهم أنهم يبيعون القضايا التي يترافعون عنها لمحامي الخصوم بما أصبح يعرف عندهم باسم «بيع القضية» أو القضايا مقابل أن يقبض الثمن ويسلم لمحامي الخصوم من الأوراق والمستندات ما يسهل كسبه للقضية التي أؤتمن عليها المحامي الخائن للأمانة والثقة وحتى إن دافع عن موكله فإن دفاعه يكون ضعيفا صوريا متهافتا بما في ذلك عدم تقديم ما وفره له موكله من مستندات قوية فلا يقدم إلا الأضعف منها، ولا يهمه بعد ذلك أنه كمحامٍ قد خسر مرافعته ومدافعته عن موكله لأنه يكون قد قبض الثمن، ولذلك لم يجد محدثي المحامي المهاجر من حل سوى الهجرة لعله يمارس المحاماة في أجواء نظيفة.
وصافحته وتمنيت له النجاح في وطن الغربة وحمدت الله أنني لم أسمع حتى تاريخه في وطني عن محامين يبيعون القضايا، راجيا أن يكون تفاؤلي في محله..