-A +A
علي محمد العمير
يحلو لي أحيانا أن أقتصر في قراءاتي على مجال واحد -ما عدا الصحف والمجلات- أستمر فيه لفترة من الزمن.. ثم أتحول عنه إلى غيره وهكذا..
وقد خطر لي -ذات مرة سلفت- أن أقتصر في قراءاتي على كتب البلاغة والنقد الأدبي، وكنت أظن أن ذلك ميسوراً حيث لم أتصور مدى وفرة الكتب التي تتناول هذا المجال!!

ولكني -لمجرد خاطر عابر- قمت بحصر المؤلفات الموجودة في مكتبتي المتواضعة، والتي تتناول مجال البلاغة بفروعها الثلاثة (المعاني، البيان، البديع) وتتناول كذلك النقد الأدبي في القديم والحديث.. حصرتها.. ثم ملأت بها عدة أرفف، وذلك ما هو ضمن الموجود في مكتبتي فحسب!!
ثم خطر لي أن أُطالع فهارس المراجع الخاصة بتلك الكتب وأحاول حصرها، وإذا بي أجد أن الكتب الممكن الحصول عليها في هذا المجال، يمكن أن تشكل مكتبة كبيرة متكاملة.. وكل ذلك لم يخطر لي سابقاً على بال قط، رغم عنايتي بهذا الجانب منذ زمن بعيد!!
ولربما يتصور بعض القراء أنني أبالغ في القول عن كون الكتب التي تتناول البلاغة والنقد الأدبي منذ الجاهلية إلى الآن يمكن أن تشكل مكتبة كبيرة، عامرة، ومعهم -أي القراء- كل الحق في ذلك فأنا قد شاركتهم الظن أو التصور بأن هذه الكتب لا يمكن أن تكون بالكثرة الهائلة التي تأكدت منها مؤخراً!!
ولاشك أن في هذه الكتب الكثير جداً من التكرار، والاجترار بحيث يمكن أن يغني بعضها عن بعض، ولكن هذا التكرار يوجد أيضاً في كل مجال من مجالات التأليف!!
بل أن الكتب (الأمهات) في التراث الأدبي أو اللغوي أو التاريخي أو في أي مجال يمكن أن يغني بعضها عن بعض لكثرة تكرار النصوص فيها، ولكن لا يغني بعضها عن بعض من حيث الرأي أو طريقة التناول أو غير ذلك من الأوجه التي لابد فيها من الاختلاف!!
وأذكر أنني قمت بإعادة النظر في تراثنا.. ثم رغبت في إعادة تصنيفه لنفسي على شكل موسوعي قدر الإمكان، ولكن ثبت لي -فيما بعد- استحالة ذلك تماماً فيما عدا الروايات والأخبار والأشعار.. أي النصوص نفسها.. أما تعليقات المؤلفين ودراساتهم وتعدد آرائهم منذ عصر التدوين إلى الآن، سواء كان ذلك في مجال البلاغة أو النقد أو غيرهما فيستحيل تصنيفها موسوعياً!!
بيد أنني لاحظت من قراءاتي الأخيرة أن الدراسات الحديثة، وخاصة الأكاديمية منها، قد أعادت إلى (البلاغة) بالذات رونقها حين حررتها هذه الدراسات من الشوائب التي علقت بها من جراء تقسيمات المنطق، والفلسفة، والأحكام الأصولية إلى غير ذلك من التعقيدات التي أفسدت البلاغة بعد أن كانت قد وصلت إلى الذروة على يد (عبدالقاهر الجرجاني) حتى جاء من بعده من أفسدها وأحالها إلى علم معقد جاف لا روح فيه ولا رونق له!!
ولذلك طابت نفسي كثيراً بما قرأته من دراسات منهجية حديثة أعادت (البلاغة) أو أوشكت أن تعيدها إلى نبعها الأصيل الصافي على نحو ما هي عليه جهود (شكري عياد) على سبيل المثال ليس إلا!!
ص.ب 35555 جدة 21498 فاكس 6208571