-A +A
علي حسن التواتي
بدا لي اجتماع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بوجود وزير الخارجية الروسي في الدوحة في الثالث من أغسطس الحالي وكأنه حفل استلام وتسليم.
فقد وصل الوزير كيري على عجل وكأنما هو يحمل حملا ثقيلا يريد أن يلقيه عن ظهره ويرحل. ولقد كان تصالحيا في خطابه وأسمع الحاضرين كل ما يودون سماعه. ولكنه كان واضحا أيضا بالتأكيد على أن أمريكا أصبحت بعد الاتفاق النووي صديقة للجميع وأن عدوها الأوحد في المنطقة الآن هو تنظيم داعش.
ولذلك هو يدعو العرب لتناسي خلافاتهم مع إيران والتحالف معها، هكذا وبكل بساطة، وذلك لتشكيل جبهة إقليمية عريضة لمحاربة داعش العدو المشترك للجميع. وبالتزامن كان صوت الرئيس الأمريكي يرتفع ناصحا بمد الجسور باتجاه إيران وإنهاء الخلافات معها والتحول نحو التعاون بدلا من التناحر. ولذلك أخشى أن تتخلى دول الخليج عن العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة أو تجمدها كرد فعل للضغط الأمريكي في التقارب مع إيران دون أن تغير إيران من سياستها.
ولأن روسيا احتفظت بتحالف قوي مع كل من أمكنها التحالف معه في المنطقة لمواجهة الهيمنة الأمريكية، ولتمكنها سابقا من التفاهم الاستراتيجي مع إسرائيل من خلال زيارة مطولة قام بها بوتين للقدس في يوليو 2012، ولتمكنها مؤخرا من مد بعض الجسور باتجاه المملكة ومصر، فقد رأت الإدارة الأمريكية أن الوقت أصبح مناسبا لتلقي بحملها الثقيل على كاهل روسيا للتوفيق والمصالحة والتنسيق بين مختلف الأطراف الإقليميين لحشد الجهود لمحاربة داعش خاصة أن مواقف الروس والأمريكان متطابقة تجاه هذا التنظيم.
ولأن المملكة هي الدولة الأكبر والأوسع نفوذا وتحالفا والأعمق تأثيرا في المنطقة فقد كان لا بد من التوفيق بين مصالحها وغاياتها ومصالح القادمين الجدد. وهذا ما يفسر الاجتماع الثلاثي بين الوزير عادل الجبير وكيري ولافروف على هامش اجتماعات الدوحة. ويبدو أن الاجتماع كان منصبا على تلطيف الأجواء بين السعودية وإيران وإيجاد أرضية مشتركة لحل عدد من المسائل وفي مقدمتها المسألة السورية.
إلا أنه يبدو أن الاجتماع لم يحقق أهدافه بسبب المبادئ السعودية المعلنة وأهمها رفض التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة ولأي بلد عربي آخر. ولئن كان الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية السعودية أمر مقدور عليه إيرانيا إلا أن الكف عن التدخل في شؤون دول عربية أخرى مسألة فيها نظر.
ولعل هذا ما دفع بإيران بإيعاز من روسيا لإرسال رسالة تطمين للمملكة بالإعلان بالتزامن مع اجتماعات الدوحة عن مبادرة أو تعديل لمبادرة (ملغومة) لحل القضية السورية ظاهرها الرحمة وباطنها فيه العذاب. فهي تدعو لوقف إطلاق النار مع تجاهل تفاصيله، وتدعو لتشكيل حكومة انتقالية مع تجاهل الإشارة لموقع الأسد فيها، وتدعو لتغيير دستوري يلغي مادة تنص على أن يكون الرئيس السوري مسلما سنيا، كما تدعو لعقد انتخابات تحت إشراف مراقبين دوليين مع إغفال ذكر الجهة التي تديرها.
وكان الرد السعودي سريعا وواضحا على لسان وزير الخارجية بالإعلان عن أن المملكة لن تقبل بأي دور للأسد في مستقبل سوريا وستلتزم بإسقاطه سلما أو بالقوة العسكرية، وأنها لن تقبل بأي تدخل إيراني في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية، وأنها مستعدة لمقاومة مثل هذا التدخل بكل الوسائل الممكنة.
وحتى بعد اجتماع موسكو بين الجبير ولافروف يوم الثلاثاء الماضي تم التأكيد على هذا الموقف السعودي ما يدل على أن اتفاقا نهائيا على المسألة السورية مازال يرتطم بالحقائق القاسية على الأرض..
وعلى كل حال، فإن أوراق المنطقة مازالت تخلط بقوة والحقيقة التي يمكن تبينها هي أن محاولة فاشلة للاستلام والتسليم تمت بين لافروف وكيري في الدوحة، لأن تحالفات روسيا القديمة وإصرارها على فرضها على باقي الأطراف الإقليمية تحول بينها وبين القيام بالدور الذي تظن أمريكا أنها قادرة على القيام به أو أنها تستدرجها للتورط فيه، ما يضيف مزيدا من التعقيد على المشهد العام في المنطقة ويعمق القناعة بضرورة استمرار التحالف العربي القائم في اليمن والعمل على تحويله إلى تحالف دائم لضمان أمن واستقرار العالم العربي بسواعد أبنائه وبقواه الذاتية.



altawati@gmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548
الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303
زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة