-A +A
نصير المغامسي (جدة)
عروس البحر.. جدة، ليست استثناء عن بقية المدن في احتضانها واستضافتها للجاليات المقيمة من مختلف الجنسيات، لكنها تختلف عن رصيفاتها في طبيعة الاستضافة والرعاية، مثلما تتفاوت طبيعة المدن من واحدة إلى اخرى، فالجاليات منحت جدة بعض خصائصها في طبيعة احيائها وثقافتها، فهؤلاء تقاسموا الاحياء حتى صار لكل حي ملمح من هذه الجالية او تلك، وليس غريبا ان تصبح عروس البحر الاحمر من اكبر المدن الحاضنة لمخالفي الحج والعمرة باعتبارها البوابة المستقبلة لجموعهم.


جدة واحياؤها تتوزع بين المقيمين العرب وغيرهم، فحي بني مالك الشهير يغلب عليه الطابع السوداني، فيما اختار التشاديون احياء العزيزية والجامعة أما الكارنتينا فهو الحي المفضل للافارقة من غرب افريقيا ويتفرق هؤلاء بين عدة احياء لكن الكارنتينا يصبح ملاذهم المفضل. وحي السبيل فقد عرف تاريخيا بأنه محطة الوصول للقادمين من اليمن، قبل أن يتحول كمأوى للصوماليين. فيما امتاز جزء كبير من حي الهنداوية بانه مقر الافغان لدرجة أنه سمي بحي البخارية، أما منطقة البلد والتي تسمى جدة التاريخية فينتشر فيها الاسيويون من مختلف الجنسيات للعمل أو بغرض السكن.


اختلاط الملامح
يقول المواطن فايز الجبرتي، اسكن في حي الروابي وهو حي تتفاوت فيه نسب الوافدين الا أن بعض الاحياء تختلط فيها الملامح ويشعر الزائر وكأنه خارج جدة، والحال يتضح اكثر في منطقة المشهد، وبعض مناطق حي الجامعة المجاور مثل شارع بغداد والمنطقة المحيطة بجسر العمال، وجميعها مناطق يغلب عليها تواجد العمالة المخالفة ويشكل التشاديون غلبة واضحة لا تخطئها العين.

لغات القوم
يضيف الجبرتي، فوجئت ذات يوم اثناء دخولي احد الاحياء بخلو منازلها من المواطنين، وهناك احياء بعينها يصعب التصديق انها في جدة نظرا لغلبة الطابع الثقافي للجالية على الحي. بل وجدت الكثير من لوحات المحال التجارية وقد كتبت بلغة الجالية المقيمة، واغلب تلك المحال تنشط في تجارة قد تضر بالبيئة والمجتمع، ويلفت انتباهي دائما وجود جنسيات بعينها في حي ما كما هو الحال بالنسبة للجالية الاندونيسية التي تسكن في اجزاء كبيرة من احياء الشرفية والكندرة، وكذا الحال للاثيوبيين في حي البوادي والاريتريين في منطقة عنيكش، الا أن تواجد هؤلاء لا يقارن بتواجد السودانيين في حي بني مالك حيث تشعر انك تعيش في قلب السودان.

ميزة أم عيب
المواطن خالد البرعي، يرى أن وضع مدينة جدة مع الجاليات لا يختلف كثيرا عن المدن الرئيسية خاصة الرياض ومكة المكرمة، حيث يتمركز وجود الجاليات في أحياء محددة دون غيرها، ويضيف، لو تفحصت احياء مكة المكرمة مثلا ستجد ان الجاليات الافريقية تتركز وجودها وانتشارها في الطندباوي وشارع المنصور، أما الجاليات الاسيوية لاسيما البرماويون، فيتواجدون في جبل النكاسة وحي الزهور، وكذا الهنود حيث يتواجد اكثرهم في حارة الملاوي، ويقول البرعي ان وضع مدينة جدة ليس استثناء لكن يجب التأكد من سلامة الاوضاع القانونية للمقيمين في تلك الاحياء.

عادات وتقاليد
البرعي يضيف، من المعلوم ان أي وافد للمملكة يحمل معه معتقداته وعاداته الاجتماعية، ووجود جالية بعينها في حي واحد يشجع افرادها على الجهر بعاداتهم وتقاليدهم، والتي قد لا تتوافق مع بعض العادات والتقاليد في بلادنا، وهنا يقع على كاهل الاجهزة الامنية مسؤولية حماية المجتمع من أي عادات دخيلة وغير مقبولة وتتعارض مع القيم، وهو الدور الذي يقع ايضا على كاهل المواطنين وعمد الاحياء.

ضيافة البرماويين
ابوالشمع عبدالمجيد رئيس الجالية البرماوية في المملكة يعزو تجمع البرماويين واختيارهم الحي الواحد في كل المدن الى كونهم مهاجرين في الاصل. في البدء ينزلون في ضيافة من سبقهم بشكل جماعي، فعند وصولهم الى المملكة لم يكونوا يملكون شيئا، لذا تجدهم في مكة المكرمة ينحصرون بكثافة في أحياء الطندباوي والزهور والرصيفة والنكاسة وريع بخش والخنساء وشارع الحج، وأشار ابوالشمع إلى أن الهجرة البرماوية توقفت بشكلها الجماعي الا أن هناك من وصل الى المملكة بجوازات سفر هندية وباكستانية وبنجلاديشية ولكن بشكل محدود ومختصر.

التعاون مع الأمن
في المقابل تحث شرطة منطقة مكة المكرمة، على لسان الناطق باسمها المقدم الدكتور عاطي بن عطية القرشي، على ضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية وعدم إيواء أو نقل أو تشغيل المخالفين للانظمة مع استمرار الحملات الأمنية لضبطهم، فيما يرى عمدة أم السلم الشمالية أحمد بن ضيف الله المعبدي أن كثيرا من الجاليات المقيمة يمتد تاريخها الى عشرات السنين، كحال الجالية البرماوية التي تتركز في منطقة كيلو 14 امتدادا من حلقة الخضار القديمة الى حوش عين العزيزية، حيث انتقل كثير منهم الى الاحياء المجاورة لحيهم الشهير حي البرماوية.

تقاليد حي مقديشو

محمد السيد يتناول الإشكالية في تجمعات الجالية بأحياء بعينها ويقول: إن ذلك من الممكن أن يفرز عاداتهم وتقاليدهم التي قد لايتقبلها المواطن أو حتى المقيم في الحي الذي يتقاسمونه جميعا في السكن والمعيشة، فهناك أحياء كاملة تبدل ساكنوها كليا، كما هو الحال في بعض أحياء حي السبيل الذي أصبح منها ما يسمى بحي «مقديشو»، لأن القاطنين فيه أغلبهم من الجالية الصومالية. فالملاحظ في بعض الأحياء تخصصها في منتجات وسلع جالياتها، فأصبحت الواجهات الزجاجية للبقالات والدكاكين الصغيرة معرضا للمأكولات الأفريقية والآسيوية، ويفضل أغلبهم ارتيادها لأنها تنعش ذكرياتهم وتمنحهم مزيدا من الصمود في مواجهة الغربة، ولكن ما ينال الانتقاد هو عدم خضوع معظم تلك السلع إلى رقابة الجهات المختصة في الأمانة والصحة وخلافها.

انصهار لا تفسده روائح الأسماك

عمدة أم السلم يقول «إن البرماويين يعيشون في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة للغاية وقد انصهر كثير منهم في المجتمع السعودي فأصبح بينهم وبين كثير من الأسر والعائلات علاقات مصاهرة ونسب، بل إن من السعوديين المجاورين للبرماويين والمصاهرين لهم من يتحدث لغة البرماويين بطلاقة، وكما يعلم الجميع فإن الجهات المختصة عملت مؤخرا على تصحيح أوضاع من جاء منهم إلى المملكة منذ عقود فرارا بدينهم من الاضطهاد. والحقيقة أن البرماويين بسطاء في تعاملهم ويغلب على أكثرهم التدين، ويشترك جميعهم في الحرص على أداء عاداتهم التقليدية ولاسيما في الطعام وهو ما يتسبب في بعض الإشكالات للقائمين على أمر النظافة وللجيران.
من عاداتهم - يقول العمدة - حرصهم على شراء الدجاج وذبحه حيا وتسويقهم للأسماك في الهواء الطلق وهو أمر يخالف الاشتراطات الصحية المطبقة بواسطة أمانة محافظة جدة. مشيرا إلى أن معظم الأحياء التي يسكنها البرماوية أحياء عشوائية وبحاجة للتنظيم وللنظافة.