-A +A
جون ليبرمان*
قتلت سلسلة من الهجمات الانتحارية المنسقة أكثر من 70 شخصاً الأسبوع الماضي، ولم يكن الضحايا من الجنود أو المسؤولين الحكوميين، بل مدنيين من النساء والأطفال والرجال الأبرياء الذين قتلوا بصورة عشوائية خلال عودتهم من العمل أو المدارس إلى بيوتهم. ولو حدثت مثل هذه الأعمال الوحشية البشعة في الولايات المتحدة أو في أوروبا أو في إسرائيل، لكان ردنا بالتأكيد الغضب من المتعصبين المسؤولين عن هذه الممارسات والتصميم على عدم الاستسلام لوحشيتهم البربرية. ومن المؤسف أن دعاة الانسحاب من العراق في واشنطن استغلوا هذه المذبحة لأنها ارتكبت في بغداد. وبدلاً من إدانة هذه الهجمات والإرهابيين الذين شنوها فإن منتقدي الحرب اعتبروا الهجمات دليلاً على فشل استراتيجية قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بتراوس وأن الحرب «خاسرة». وأقر مجلس الشيوخ مشروع قانون الجدول الزمني المحدد للانسحاب من العراق، وهذا الإقرار خطأ بصورة خطيرة.. إذ إنه يعكس سوء فهم لكل من الواقع في العراق وطبيعة العدو الذي نقاتله هناك. إن المطلوب في سياسة العراق ليس خطباً رنانة عنيفة وساخنة، ولكنه تقييم واقعي ومتزن للتقدم الذي أحرزناه والتحديات التي مانزال نواجهها. وقد حققت الولايات المتحدة وحلفاؤها العراقيون تقدماً مشجعاً حول مشكلتين بدتا غير قابلتين للحل ذات مرة، وذلك في الشهرين الماضيين منذ تولي الجنرال بتراوس مهمة القيادة.. المشكلتان هما تخفيف العنف الطائفي بزعامة الشيعة الذي أصاب بغداد بالشلل حتى وقت قريب، وتعزيز التأييد من السنة، خاصة في محافظة الأنبار التي كانت غارقة في التمرد قبل أشهر قليلة. إن هذا التقدم حقيقي ولكنه مازال تمهيدياً.. إن الهجمات الانتحارية التي نشاهدها الآن في العراق تعد محاولة لقلب هذه المكاسب: هجوم معاكس مقصود ومحسوب بدقة من قبل القاعدة، وشبكة المتطرفين التي شنت الهجمات الكارثية في كينيا وتركيا وأندونيسيا ونيويورك وواشنطن. وفي الواقع، إذا كانت مذبحة الأسبوع الماضي قد أوضحت أي شيء، فإن ذلك يتمثل في أن معركة بغداد هي معركة ضد القاعدة على نطاق كبير، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن القاعدة تعتبر العاصمة العراقية بمثابة الجبهة المركزية لحربها ضدنا. إن استراتيجية القاعدة للانتصار في العراق واضحة تماماً، إنها تحاول قتل أكبر عدد من الأبرياء بقدر الإمكان بأمل إعادة إشعال العنف الطائفي الشيعي وترويع وترهيب السنة لدفعهم إلى الاستسلام والخضوع. وبمعنى آخر، ففي الوقت الذي يعمل الجنزال بتراوس وجنوده لإعطاء العراقيين المعتدلين السلطة وتوحيدهم بواسطة إرساء أسس الأمن، تحاول القاعدة إشاعة الفرقة والسيطرة بارتكاب المجازر البشعة. ولذا فإن القول بأننا نستطيع محاربة القاعدة بالابتعاد عن «الحرب الأهلية» في العراق خطأ، لأن لب استراتيجية الشبكة الإرهابية في العراق هو محاولة التسبب في الحرب الأهلية، وموجة الهجمات الانتحارية الأخيرة في العراق تستهدفنا أيضا في الولايات المتحدة، لحجب المكاسب الأخيرة التي حققناها وإقناع الرأي العام الأمريكي بأن جهودنا في العراق تافهة وغير مجدية وأنه يجب علينا الانسحاب. وعندما يعلن سياسيون أمريكيون في واشنطن أن حرب العراق خاسرة بسبب هجمات القاعدة ويطلبون جدولاً زمنياً للانسحاب، فإنهم يفعلون تماماً ما تريده وتأمله الشبكة الإرهابية. وليس هدف القاعدة في العراق الحصول على مقعد حول الطاولة السياسية، بل تريد نسف وتفجير الطاولة على رؤوس الجالسين حولها! ومن المؤكد أنه يمكن إضعاف القاعدة عن طريق عزلها سياسياً، ولكن حتى بعد موافقة الأغلبية العظمى للعراقيين على رؤية سياسية مشتركة، سيبقى لب متشدد من المتطرفين الملتزمين بتدمير تلك الرؤية بواسطة أعمال العنف المرعبة والمروعة، ولا يمكن التفاوض مع هؤلاء المتطرفين أو إقناعهم بالتعقل ونبذ العنف بل لابد من هزيمتهم. ومن ثم، فإن التحدي الذي نواجهه هو إما أن نهرب من بربرية القاعدة ونتخلى عن مستقبل العراق والشرق الأوسط وعن أمننا في نهاية الأمر، وإما أن نصمد ونقاتل، وبالنسبة لي، هناك خيار واحد فقط يصون أمن الولايات المتحدة، وهو خيار الصمود والقتال.
* سيناتور ديمقراطي مستقل نقلاً عن واشنطن بوست

ترجمة: محمد بشير