-A +A
عبداللطيف الضويحي
من حق الجامعات السعودية أن تبحث عن موطئ قدم تتميز به كل واحدة منها عن غيرها من الجامعات السعودية والعربية أو العالمية، سواء كان ذلك بدافع سوق المنافسة أو بدافع المهنية.
في الأسبوع الماضي، انشغلت بعض الصحف بخبر تصدر ثلاث جامعات سعودية قائمة الجامعات العربية، حسبما أورده موقع US NEWS&World Report.

في الحقيقة لم تكترث صحف محلية كثيرة للخبر فضلا عن عدم اكتراث الرأي العام بل وحتى الرأي العام الأكاديمي من خلال ما تم تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي وذلك قياسا بالاهتمام السابق بتصنيف الجامعات عندما كان التصنيف عالميا.
في السنوات الأخيرة، وبعد أن تضاعف عدد الجامعات السعودية ثلاث مرات تقريبا، هرعت جامعات عريقة (جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن) للبحث لها عن موقع بين الجامعات العالمية تتميز من خلاله عن الجامعات الناشئة ربما ويحفظ لها تلك الوجاهة والمكانة التي كانت تحظى بها تلك الجامعات عبر سنين مضت، فكان أن تبنت كل منها استراتيجية طرقت بموجبها باب التصنيفات العالمية وقد قفزت بموجبها تلك الجامعات من الصفوف الأخيرة إلى ما بين 200-300 حسب تصنيف «شنغهاي» الصيني وإلى المرتبة 186 حسب تصنيف «ويبو متريكس» الإسباني، والأخير في الحقيقة ما هو إلا تصنيف للمواقع الإلكترونية الأكاديمية ولا يعد مقياسا شاملا للعمل الأكاديمي ككل للمؤسسة الأكاديمية. في حين أن دراسة قامت بها مؤسسة «كارنيغي» الدولية حول الجامعات في منطقتنا، بينت أن الجامعات في هذه المنطقة مؤسسات تعليمية غير قادرة على توفير بيانات دقيقة عن الأبحاث التي بموجبها يتم التصنيف والاعتماد عالميا.
لكن السؤال الأهم لماذا تغيب المعايير المحلية في تصنيف الجامعات السعودية، بغض النظر عما إذا كانت من الجامعات العريقة أو الجامعات الفتية؟ ما هي الجهة المسؤولة محليا عن تصنيف الجامعات السعودية في الوقت الراهن؟ ألم يحن الوقت لتأسيس هيئة سعودية متخصصة بتصنيف الجامعات السعودية؟ هل يعقل أن مدارس التعليم العام يتم تقويمها بنجاح مبهر من قبل هيئة تقويم التعليم ولا يتم تقييم وتقويم الجامعات؟ لماذا لا يسند تقويم الجامعات إلى هيئة تقويم التعليم إذا تعذر إيجاد مؤسسة أخرى تتولى مسؤولية تقييم الجامعات ؟ هل ستكون هذه الهيئة من مسؤولية الجامعات السعودية مجتمعةً ؟ أم أنها مسؤولية المجتمع المدني السعودي ؟ أم أنها مسؤولية القطاع التجاري الخاص لكي يتوسع لاحقا ربما ليشمل تقييم وتصنيف جامعات عربية كمرجعية عربية وليس السعودية فحسب؟
نحن لا نعرف يقينا الدافع أو الدوافع والأهداف وراء حماس واندفاع جامعاتنا وراء التصنيفات العالمية دون الاكتراث للبعد المحلي في هذا التميز؟ من حق جامعاتنا السعودية أن تبحث عن العالمية وهو بلا شك من حق كل جامعة بل ومن واجبها أن تتقدم في الاتجاه الذي تمليه عليها مسؤوليتها الأكاديمية والأخلاقية والمهنية، لكن لماذا تتجاهل هذه الجامعات البعد المحلي والذي يخدمها عالميا مثلما التصنيفات العالمية، والتي تتطلب استحقاقات واشتراطات هي الأخرى يجب الوفاء بها للوصول لتلك الغايات، فالعديد من الأكاديميين يعتقدون أن الجامعات السعودية قفزت قفزتها الأولى حسب بعض التصنيفات العالمية ليس بسبب أهليتها العلمية البحثية، إنما كان ذلك فقط بسبب التزام تلك الجامعات بمعايير التقييم العالمي لا أكثر ولا أقل.
ترى لو كانت جامعاتنا جادة وواقعية في بحثها عن التقييم والتصنيف العالمي، هل كنا بحاجة لأربع سنوات من عمر فيروس كورونا دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة لدراسة هذا الفيروس أو إجراء تجارب على الفيروس؟ وهل كنا بحاجة لأن نرجع لوزارة الصحة أو وزارة الزراعة بما إذا كانت الإبل هي المسؤولة عن فيروس كورونا أم لا وهما المؤسستان التنفيذيتان؟ ولو قامت جامعاتنا بمسؤوليتها المهنية وكانت جادة في التقييم والتصنيف، هل كان سيتأخر تشخيص أو علاج هذا المرض و غيره من الأمراض التي تبدأ متى شاءت شركات أدوية عالمية ويختفي متى شاءت ؟ وهل كنا بحاجة إلى منظمات دولية أو شركات أدوية عالمية لا نعرف مصداقيتها في إستغلال موسم الحج لتسويق أدويتها ؟
فإذا كانت جامعاتنا جادة في بحثها عن التصنيف، هل كنا بحاجة لثلاثين سنة منذ اكتشاف سوسة النخل لأول مرة، حتى وصلت هذه السوسة إلى معظم مناطق المملكة ومزارع النخيل، دون أن تتقدم جامعة سعودية واحدة -حسب علمي- بدراسة أو اكتشاف علاج لهذه السوسة؟
أليس مخجلا أن يكون لدينا ما يقارب 30 جامعة لم تنجح واحدة منها كمرجعية في مجال دراسات الطاقة الشمسية والرياح والطاقة البديلة؟ أو تبدع واحدة في مجال اقتصادات الحج ؟ أو تتقدم واحدة كمرجعية في مجال اقتصادات السياحة ؟ أو تتفوق واحدة من جامعاتنا في مجال تحلية المياه ؟ هل يعقل أن كل جامعاتنا منهمكة في تخريج الطلاب وليس لديها الوقت للانخراط في مجال الدراسات والبحوث بما يقلل المخاطر التي تواجه مجتمعاتنا وتوسيع الفرص لاستثمارها لصالح الوطن والمواطن ؟
أتمنى من جامعاتنا والقائمين عليها، وهم بلا شك أهل للمسؤولية، أن ينطلقوا من المحلية للوصول للعالمية، وأن يكون دافعهم هو الإنجاز العلمي وليس الوجاهة الاجتماعية والأضواء والبهرجة و«المهايط»، والتي أصبحت ثقافة سائدة مع وسائل التواصل الاجتماعي.