-A +A
محمد المختار الفال
في صخب وضجيج مظاهرات العراقيين المنددين بالفساد ولصوص الثروة وراهني الإرادة الوطنية لمراجعهم في الخارج، وتحت سحب ونيران القتل والدمار المشتعل في سوريا واليمن والدماء السائلة في ليبيا، تاه خبر صغير لكنه لا يقل أهمية عما يجري من تبدلات وتغيرات جوهرية ستترك آثارها لعشرات السنين على خارطة هذه المنطقة. الخبر الذي لم يلفت انتباه الكثيرين يقول إن إسرائيل تلقت 90 % من احتياجاتها البترولية من إقليم كردستان العراق خلال الأشهر الماضية. وحين طرح صحفي السؤال على أحد كبار المسؤولين في الإقليم كان رده: نحن لا نهتم بمن يشتري أو يستفيد من بترولنا بعد أن نسلمه إلى الوسطاء والذي يهمنا هو الحصول على السلاح لقواتنا.. وهذا هو «مربط الفرس»، إسرائيل تريد النفط والنفوذ والأكراد يريدون السلاح لحماية الإقليم بعد أن أصبح استقلاله أمرا واقعيا. وسياسة إسرائيل في اللعب على المتناقضات في المنطقة معروفة واهتمامها باستغلال المظالم التي تقع على الأقليات لإثارة شعورهم ضد انتمائهم التاريخي معروفة أيضا، واهتمامها بإقليم كردستان ليس جديدا فهو يعود إلى عام 1943 لكن هذه الأيام بدأ يظهر إلى السطح، إذ يتحدث مسؤولون كبار في الكيان الصهيوني علنا عن دعمهم لقيام دولة كردية تسهم في تحقيق مشروع «تفكيك» العراق وسوريا وتحويلهما إلى كيانات مشوهة لا تملك مقومات البقاء دون جهة تستند إليها. وحكومة اليمين الإسرائيلي الحالية لم تعد تتحرج من الإعلان صراحة عن هذه الأهداف القديمة التي كانت تعمل من أجلها في السر. وقال نتنياهو في مؤتمر نظمه معهد دراسات الأمن القومي إن إسرائيل تؤيد إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق لأنهم جديرون بها، وإن التحولات الحاصلة في المنطقة تعد فرصة مواتية أمام إسرائيل لبناء تحالفات مع شركائها في هذا الإقليم. ويرى محللون إسرائيليون أن الفرصة مواتية لتحقيق الهدف القديم وإن على بلدهم دعم دولة كردية مستقلة وديمقراطية(!!!).
كل هذا معروف للجميع فلا جديد فيه لكن السؤال الذي يحركه هذا القديم الجديد هو:

ما الذي يدفع الأكراد، بتاريخهم وانتمائهم الديني والثقافي، إلى الارتماء في حضن الدولة الصهيونية التي تبني وجودها وتأثيرها على إضعاف وجود الآخرين واستغلالهم وخضوع ثقافاتهم وإرادتهم لما تريده؟.الإجابة مركبة لكن منها: أن الحكومة المركزية ارتكبت الكثير من الأخطاء في حق مواطنيها الأكراد وأن تراكم الأخطاء أورث بعض الكراهية وزرع مشاعر غير ودية تحتاج إزالتها إلى الجهد والوقت، ومع ذلك لا يزال في هذا الجزء من العراق من يرفض الاستسلام لهذه المشاعر ولا يقبل الوقوع في خطيئة تدمير الشخصية العراقية بكل مكوناتها، فهل يتدارك عقلاء العراق، بكل أطيافهم، خطورة تغذية مشروع تفتيت المنطقة إلى كيانات هشة؟.