-A +A
عبدالاله الهوساوي
تخيل أخي القارئ (أختي القارئة) أن المقاول المسؤول عن بناء منزلك (بيت الأحلام) قام بتسليمك المنزل بعد خمسة أعوام من التاريخ الذي وعدك به أولا. ولم تنته المشكلة عند هذا التأخير فحسب، بل عند معاينتك للمنزل تفاجأت بأن الكهرباء لا تزال غير جاهزة، وكذلك وجدت أن لون الدهان يختلف عن اللون الذي طلبته!
مع الأسف، تتكرر هذه الصورة بأشكال مختلفة في القطاع الصحي، فبعض المستشفيات تتأخر لأعوام عن تاريخ التسليم، ولا تنتهي المشكلة عند تسليم المبنى، ولكن بعد التسليم يدخل المشروع في مرحلة تأخير أخرى بسبب عدم وجود الموارد البشرية والمادية (من أجهزة ومعدات طبية) مما قد يؤدي الى سنوات أخرى من التأخير.

ما ذكرته أعلاه هو واحد من السيناريوهات المختلفة لما يعرف بظاهرة المشاريع المتعثرة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل بإمكاننا التقليل من المشاريع المتعثرة في القطاع الصحي؟
الجواب: نعم من الممكن التقليل من المشاريع المتعثرة وتفادي حصولها في المستقبل، إذا توفرت الشروط التالية:
- يجب أن يكون هنالك وضوح كامل لأهداف المشروع بين الجهة الحكومية (الطرف الأول) والمنفذ للمشروع من القطاع الخاص (الطرف الثاني).
- يجب على القطاع الحكومي تعيين (مدير للمشروع) على أن تكون هذه الجهة المسؤولة عن إدارة المشروع ذات خبرة طويلة في إدارة مشاريع بناء المستشفيات والمراكز الطبية.
- يجب أن يتوفر لدى ممثلي القطاع الحكومي خبرة فنية وقضائية في مجال العقود.
- من المهم جدا تحسين نظام المناقصات وتطويره ليتمكن من تحقيق أهداف الأطراف المشاركة في العقود.
ونظرا لأن موضوع العقود هو من أهم الأمور التي قد تؤثر سلبا أو إيجابا في نجاح المشاريع الصحية، سأقوم بشرحه ببعض التفصيل:
- يجب أن يشتمل العقد على تعريف واضح للأطراف المشاركة فيه.
- توضيح الأهداف من التعاقد.
- توضيح الزمان (الفترة الزمنية)، والمكان (المباني والمنشآت) الذي يجب تنفيذ العقد فيه.
- واجبات ومسؤوليات الأطراف المشاركة.
- إيجاد معايير لقياس الأداء (KPIs) وربط تعويض المبالغ المالية للجهة المقدمة للخدمة بالأداء.
- وضع شروط جزائية في حال عدم تنفيذ الواجبات والمسؤوليات من أحد الطرفين.
- وضع استراتيجية إدارة مخاطر (Risk Management Strategy) تمكن الجهة الحكومية من التقليل من المشاكل وإيجاد البدائل في حال حدوث أي مشاكل.
هنالك الكثير من الدول في العالم (سواء من الدول النامية أو الدول المتطورة) استفادت كثيرا من تطوير نظام العقود لديها، ولم يؤد ذلك إلى تحسين الأداء في المشاريع فحسب، بل أدى أيضا الى تدعيم الاقتصاد في تلك الدول. خذ على سبيل المثال دولة البرازيل (الاقتصاد السادس في العالم التي يتوقع لها أن تصبح الاقتصاد الرابع في العالم بحلول العام 2050). فقد قامت البرازيل باستحداث نظام (Traffic Trigger) في طريقة العقود المبرمة بين الحكومة والشركات المعنية بإنشاء الطرق السريعة. وتقوم الفكرة على إيضاح نقطة استيعاب محددة للطريق السريع مسبقا، وعند وصول هذه النقطة يترتب على الشركة المسؤولة عن إنشاء الطريق وصيانته إحداث توسعات في الطريق للتقليل من الزحام وضمان سلاسة وفاعلية المرور. وهذا مثال لعشرات (وربما المئات) من الأمثلة للاستخدام الجيد لنظام العقود.
ما أحوجنا هذه الأيام، خصوصا مع الضغوط الاقتصادية والتراجع في أسواق النفط، أن نركز على استحداث أنظمة وقوانين تزيد من فاعلية وأداء القطاع الصحي وخصوصا المشاريع المعنية بتطوير البنية التحتية.
من ينظر إلى تجارب الدول الأخرى في تحسين أداء العقود يعلم أن الفوائد لن تقف فقط عند التقليل من المشاريع المتعثرة في القطاع الصحي، بل ستتعدى ذلك، بإذن الله، إلى تقوية الاقتصاد السعودي ككل بقطاعيه الحكومي والخاص.