-A +A
عبدالله صادق دحلان
من حق كل مواطن مخلص أن يفكر إيجابيا في مستقبل وطنه، ومن حق كل مواطن أن يستمع إلى الآراء المختلفة تجاه أي قضية تهمه، ولكن ليس من حق البعض تشويه الحقائق وترويع المواطنين وإعطاؤهم الصورة القاتمة للمستقبل. وأعني اليوم على وجه الخصوص أولئك غير المتخصصين في الشأن الاقتصادي وغير المطلعين على بعض التفاصيل الدقيقة وليس لهم بعد اقتصادي مستقبلي فهم يصورون الوضع الاقتصادي في بلادنا بأنه الأسوأ وأن المستقبل غير واضح وصورة غائمة أو قاتمة، معتمدين في تحليلاتهم على انخفاض أسعار البترول إلى الحدود الدنيا والتي قد تهوي باقتصاديات دول الخليج.
وبهذه المعلومات المضللة للمستقبل يفزع بعض العامة من المواطنين غير المتخصصين وصغار المستثمرين وغيرهم. وهي فعلا نظرة تشاؤمية إما أن تكون مقصودة أو يجهل أصحابها معلومات دقيقة عن اقتصاد المملكة. وفي غياب المعلومة الرسمية من مصادرها تظل اجتهاداتهم التحليلية غير مبنية على أساس. ولست اليوم مكلفا بتصوير الوضع وتقديمه بصورة وردية وإنما أجزم بأنه ليس هو بالصورة السوداوية كما يصورها البعض. فالتقلبات الاقتصادية العالمية لها تأثير كبير على أسواق النفط وبالتالي تؤثر سلبا على سعره ارتفاعا وانخفاضا وعلى أثره يكون الأثر على واردات مصدري البترول، ودول الخليج على رأسهم، ومنها المملكة، وبمراجعة تاريخ أسعار البترول في العشرين عاما الماضية يلحظ الباحث أن أسعار البترول وصلت إلى أعلى مستوياتها فوق المائة دولار وإلى أدنى المستويات 10 دولارات، ويرتبط سعر البترول بالعرض والطلب ويرتبط الطلب على البترول بزيادة النمو الاقتصادي في الدول الصناعية الكبرى وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة والصين وأوروبا وبعض الأسواق الناشئة.

وحيث إن الصين والولايات المتحدة تصنفان أكبر الاقتصاديات العالمية وترتبط بهما معظم الأسواق العالمية الأخرى وأي انخفاض في النمو في أي منهما سيؤثر سلبا على بقية أسواق العالم نظرا للارتباط القوي بهما. وحيث إن قوة الاقتصاد الأمريكي والصيني تعتمدان على حجم الإنتاج والتصدير والذي يعتمد على البترول والغاز كطاقة مولدة للإنتاج أو لقيم للصناعة. وفي انخفاض التنمية ينخفض الطلب على البترول ويهبط السعر كما هو حاصل اليوم مع انخفاض النمو في الاقتصاد الصيني وتوقعات بمزيد من الانخفاض رغم محاولات الحكومة الصينية في خفض سعر الفائدة وزيادة الإقراض من البنوك وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لمعظم المصارف الصينية الكبيرة وذلك لتوفير مزيد من السيولة للإقراض. بالإضافة إلى توقع تباطؤ في نمو الاقتصاد الألماني والأوروبي بصفة عامة. وهذا هو الموضوع الاقتصادي العالمي اليوم. وهي دورة جديدة للاقتصاد العالمي حيث كانت قبل ثماني سنوات أزمة الديون العقارية في الولايات المتحدة والتي شكلت أزمة مالية عالمية تأثرت جميع دول العالم بها وعلى وجه الخصوص أوروبا. وحيث إن المملكة جزء من المجموعة الاقتصادية العالمية بل جزء مهم ومؤثر ومتأثر فينعكس الوضع علينا، لكن لا يعني هذا أن اقتصادنا هش وسيتهاوى.
إن اقتصاد المملكة له المقومات الاقتصادية القوية حتى وإن كان يعتمد أساسا على دخل البترول إلا أنه على المدى الطويل فهو صاحب أكبر مخزون عالمي للبترول. ثانيا لدى المملكة احتياطي يتجاوز (2.6) تريليون دولار. هذا بالإضافة إلى أن المملكة دولة لم تلجأ في تاريخها إلى فرض نظام ضريبي سواء على القطاع الخاص البنكي أو الخدمي أو التجاري والتي تعتبر في بعض الدول المنتجة للبترول مثل الولايات المتحدة أحد أهم المصادر الداعمة لميزانية الدولة لتغطية العجز في ميزانيتها، كما أن المملكة تملك أصولا ومساهمات ضخمة جدا في بعض الشركات المساهمة. وهناك وسائل عديدة لدعم ميزانية الدولة ولا داعي لقلق المواطنين. وأجزم أن الدولة لن تخل بالتزاماتها تجاه مواطنيها أو موظفيها أو مقاوليها. وأجزم بأن شعب هذا الوطن على أتم الاستعداد للوقوف جنبا إلى جنب مع قيادته في السلم والحرب وفي الوفرة والطفرة.
وهذا أقل الوفاء للوطن. ولا أرى هناك داعيا للقلق فاقتصادنا قادر على تجاوز المرحلة الاقتصادية الحالية، فلجوء الدولة للاقتراض الداخلي عن طريق طرح سندات حكومية لا يعني إفلاسا أو خللا في الاقتصاد. فالولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاديات العالم ظلت خلال الخمسين عاما الماضية وإلى اليوم تطرح سندات حكومية للعالم وتشتريها العديد من الدول في العالم التي لديها فوائض ومنها المملكة وهي سندات ذات عوائد بسيطة ولكنها مضمونة. وكذلك تفعل الكثير من الدول النامية وسبق للمملكة أن أصدرت السندات من خلال البنوك في سنوات ماضية.