هذه الكلمة الجميلة على وزن لفظ «بشار»... ومعناها «كذاب» من الطراز الأول. ذلك الذي يتقن فنون الكذب بمهارة وعشق... يعني الكاذب المحترف لا يقدم لك الكذبة مجردة، بل يلجأ إلى تجهيز بيئة المعلومة المغلوطة ليستقبلها الضحايا بدون الاشتباه بأنها بعيدة كل البعد عن الصدق. والعديد من الفشارين يصدقون أكاذيبهم و«يعيشون الدور». ومن الأمثلة العجيبة على هذا المبدأ هي آلية بعض السموم الفتاكة، فهي تدخل أجسامنا متخفية في أشكال بعيدة عن الواقع. ثم عندما تتمكن من بيئتها وتأمنها، تظهر على واقعها الخبيث الحقيقي. وكمثال نجد إمبراطور السموم وهو عنصر «الثاليوم» يدخل جسم ضحيته متنكرا وكأنه عنصر «البوتاسيوم» الضروري للحياة، وبعد دخوله وانتشاره في الخلايا يظهر على حقيقته وينشر الدمار في كل مكان يصل إليه بداخل الضحية. وهناك أمثلة أخرى كثيرة على استخدام «البكش»، ومنها آلية عمل الفيروسات التي تستخدم الحيلة وحركات «النصف كم» إلى أن تتمكن من ضحيتها سواء كانت أجسامنا أو حواسيبنا.
وأتذكر في أيام طفولتي برنامجا كوميديا رائعا كانت تبثه إذاعة مصر الشقيقة بعنوان «ساعة لقلبك». وكان من أهم أبطاله «أبو لمعة والخواجة بيجو»، وملخصه أن أبا لمعة كان من «الفشارين» المتخصصين في الكذب بأشكاله وألوانه، وكان ضحيته في حلقات البرنامج هو صديقه الأجنبي «الخواجة بيجو». وفي كل حلقة كان يناوله مجموعة أكاذيب لا يصدقها العقل، ولكن أسلوبه الجاد الشيق في إيصال المعلومة كان أحد أسرار النجاح الكبير لتلك الحلقات التاريخية الفكاهية. وأعتقد أن اليوم لا مجال لنجاح مثل هذه الحلقات لأن مستوى الكذب وصل إلى مراحل مجردة تماما من الفكاهة والطرفة، فكثرة الكذب وآثاره السلبية على البشر لم تجعل له أي أبعاد فكاهية بأي حال من الأحوال... ولندخل في الموضوع بشكل أفضل فقد انتهيت من قراءة كتاب بعنوان «حليف» Ally من تأليف Michael Oren «ميخائيل أورين» السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن عن تجربته خلال الفترة 2009 إلى 2013. وكلمة «أورين» بالعبرية معناها شجرة الصنوبر ولكن الرجل يطرح أشياء بعيدة عن طرح تلك الشجرة الجميلة. كانت الفترة التي يحكي عنها من الفترات الحساسة والمتغيرة لأنها امتدت عبر فترتين رئاسيتين مختلفتين تماما وهما فترة جورج «دوبيه» بوش الابن، وباراك أوباما. والكتاب كبير جدا وكاتبه «هريج»، يعني لا يترك أي معلومة مهما كانت صغيرة إلا وذكرها شاملة النكات والشتائم التي تفوح روائحها في أروقة الكونجرس والبيت الأبيض بكل يسر. الطرفة هنا هو أنه أثناء قراءة الكتاب تجد نفسك على وشك أن تصدق ما يقول، وكأنه إحياء لدور «أبي لمعة» الكوميدي. يجهز لك استقبال المعلومة، ويحاول أن يوحي إليك أن الكيان الإسرائيلي هو المثال الأعلى للحضارة في منطقة الشرق الأوسط، ثم يناولك المعلومة المغلوطة... ثم يطير «طيران» إلى المعلومة التالية. المشكلة طبعا أن من عاصر المخالفات الإنسانية الكبرى للإنسان والمكان التي ارتكبتها وترتكبها القوات الإسرائيلية في المنطقة لن يصدق ولا كذبة من تلك الأكاذيب. يعني كل القتل والتدمير في فلسطين ولبنان يبرره الكاتب وكأنه ضمن الأخطاء العربية. والانتهاكات الصهيونية لحقوق الإنسان اليوم وكل يوم تصبح مخفية ليبدو الكيان الصهيوني وكأنه فعلا «دولة» ديمقراطية مظلومة ومهددة من العمالقة العرب حولها.
أمنيــــــــــة
الفشر له فنونه وأصوله، ولو أردت أن تستمع لجوانبه الفكاهية الجميلة فلا تفتك مقاطع «ساعة لقلبك» لأبي لمعة والخواجة بيجو. وأما لو أردت أن تقرأ عن الفشر في أقوى أدواره فلا يفتك كتاب «ميخائيل أورين» بعنوان «الحليف Ally» عن تجربته في الخدمة الدبلوماسية في الولايات المتحدة. والله أعلم بالحقائق، مهما صقلوا فنون الفشر
وهو من وراء القصد.
وأتذكر في أيام طفولتي برنامجا كوميديا رائعا كانت تبثه إذاعة مصر الشقيقة بعنوان «ساعة لقلبك». وكان من أهم أبطاله «أبو لمعة والخواجة بيجو»، وملخصه أن أبا لمعة كان من «الفشارين» المتخصصين في الكذب بأشكاله وألوانه، وكان ضحيته في حلقات البرنامج هو صديقه الأجنبي «الخواجة بيجو». وفي كل حلقة كان يناوله مجموعة أكاذيب لا يصدقها العقل، ولكن أسلوبه الجاد الشيق في إيصال المعلومة كان أحد أسرار النجاح الكبير لتلك الحلقات التاريخية الفكاهية. وأعتقد أن اليوم لا مجال لنجاح مثل هذه الحلقات لأن مستوى الكذب وصل إلى مراحل مجردة تماما من الفكاهة والطرفة، فكثرة الكذب وآثاره السلبية على البشر لم تجعل له أي أبعاد فكاهية بأي حال من الأحوال... ولندخل في الموضوع بشكل أفضل فقد انتهيت من قراءة كتاب بعنوان «حليف» Ally من تأليف Michael Oren «ميخائيل أورين» السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن عن تجربته خلال الفترة 2009 إلى 2013. وكلمة «أورين» بالعبرية معناها شجرة الصنوبر ولكن الرجل يطرح أشياء بعيدة عن طرح تلك الشجرة الجميلة. كانت الفترة التي يحكي عنها من الفترات الحساسة والمتغيرة لأنها امتدت عبر فترتين رئاسيتين مختلفتين تماما وهما فترة جورج «دوبيه» بوش الابن، وباراك أوباما. والكتاب كبير جدا وكاتبه «هريج»، يعني لا يترك أي معلومة مهما كانت صغيرة إلا وذكرها شاملة النكات والشتائم التي تفوح روائحها في أروقة الكونجرس والبيت الأبيض بكل يسر. الطرفة هنا هو أنه أثناء قراءة الكتاب تجد نفسك على وشك أن تصدق ما يقول، وكأنه إحياء لدور «أبي لمعة» الكوميدي. يجهز لك استقبال المعلومة، ويحاول أن يوحي إليك أن الكيان الإسرائيلي هو المثال الأعلى للحضارة في منطقة الشرق الأوسط، ثم يناولك المعلومة المغلوطة... ثم يطير «طيران» إلى المعلومة التالية. المشكلة طبعا أن من عاصر المخالفات الإنسانية الكبرى للإنسان والمكان التي ارتكبتها وترتكبها القوات الإسرائيلية في المنطقة لن يصدق ولا كذبة من تلك الأكاذيب. يعني كل القتل والتدمير في فلسطين ولبنان يبرره الكاتب وكأنه ضمن الأخطاء العربية. والانتهاكات الصهيونية لحقوق الإنسان اليوم وكل يوم تصبح مخفية ليبدو الكيان الصهيوني وكأنه فعلا «دولة» ديمقراطية مظلومة ومهددة من العمالقة العرب حولها.
أمنيــــــــــة
الفشر له فنونه وأصوله، ولو أردت أن تستمع لجوانبه الفكاهية الجميلة فلا تفتك مقاطع «ساعة لقلبك» لأبي لمعة والخواجة بيجو. وأما لو أردت أن تقرأ عن الفشر في أقوى أدواره فلا يفتك كتاب «ميخائيل أورين» بعنوان «الحليف Ally» عن تجربته في الخدمة الدبلوماسية في الولايات المتحدة. والله أعلم بالحقائق، مهما صقلوا فنون الفشر
وهو من وراء القصد.