-A +A
عبدالمحسن هلال
أذهلت شعوب العالم صورة الطفل السوري الغريق على شاطئ مدينة بودروم التركية هربا من جحيم الحرب الأهلية في سوريا ولم تحرك ضميرا ساكنا لحكومات هذه الشعوب، بعض هذه الحكومات ذرفت دموع التماسيح ثم سرعان ما ألقت باللائمة على غيرها، على سوريا مرة على تركيا أخرى ثم على حكومات الجوار، ثم على عصابات داعش وحالش، بينما الكل مشترك في هذه الجريمة، بل الجرائم النكراء للمهاجرين تحت ضغط الحروب. مؤكد سينتهي اللوم إلى أسرة الطفل التي لم تعلمه السباحة أو على الطفل ذاته ووالدته التي غرقت معه ومع شقيقه، وهي تهرب بهما من دولة مسلمة إلى أخرى حتى قررت الذهاب بأطفالها إلى شاطئ كوس اليونانية غير المسلمة بعد أن جف حلقها وهي تصيح «وامعتصماه» و«وإسلاماه» ولا حياة لمن تنادي.
كيف أراد الله سبحانه وتعالى لهذه الجثة الصغيرة الغضة أن تعود للشاطئ التركي سليمة من أسماك القرش وقوارض البحر ليراها العالم أجمع، حتى حذاء الطفل ما زال بقدمه ملتصقا مرفوعا في وجه هذا العالم القاسي، ولا فرق قيميا بينهما. وصلت الجثة كاملة وقد خجلت وحوش البحر أن تكون كوحوش البر فتركتها لتكون شاهدا على عجز كثيرين ممن لم يملك سوى الدعاء للطفل وأهله بالرحمة وبالهلاك على المتسبب في المأساة محليا وإقليميا ودوليا، ونذيرا لما ينتظر المنطقة ومهجريها نتائج حروبها ونزاعاتها والشتاء القارص قادم والضمير الإنساني للمنطقة بأسرها ما زال نائما ينظر مذهولا للثور الأبيض يذبح أمامه ظانا النجاة لنفسه، والضمير العالمي ما زال مخدوعا ببعده ظانا أن النيران لن تصله.

تقول آخر التقارير إن نزاعات المنطقة تحرم 12 مليون طفل سنويا من التعلم والذهاب للمدرسة، 12 مليون طفل مشرد إضافة لمن سبقهم من سنوات النزاع وهي طويلة سيكونون في شوارع مدن العرب بعد حين للانتقام ممن حرمهم وقتل آبائهم وشرد أسرهم، ولن تفرق عندهم الانتماءات الجغرافية أو العرقية أو الدينية المذهبية، سيكون الجميع أمامهم تحت حد السكين سواء، ومن سينجو في حياته لن ينجو من عذاب الله في آخرته لصمته فقد كان في أولاه شيطانا أخرس.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سواء كان سفها دينيا كما تفعل داعش مدعية السنة وحلفاؤها أو حالش مدعية التشيع ومن يقف خلفها، أو عسكريا كما تفعل حكومات المنطقة، أو سياسيا كما تفعل حكومات العالم الأبعد، أو إنسانيا كمن يقف متفرجا فلا يستنكر ولا يحتج ويكتفي بالدعاء مثلي.