-A +A
صدقة يحي فاضل
ترتبط إيران بالعرب بروابط الجوار والدين المشترك، إضافة إلى التاريخ والعادات والتقاليد المتشابهة، وأيضا الكثير من المصالح والأخطار المشتركة. إنها الدولة الجارة، وإن كانت مختلفة لغة ومذهبا وظروفا. وهي في هذا الصدد تشبه تركيا الجارة الكبرى الأخرى. وباعتبار هذه الروابط يفترض أن تكون هناك علاقات ودية وثيقة ومتنامية بين العالم العربي، وكل من هاتين الدولتين. هذا الواقع الجغرافي والتاريخي كان يجب أن يدفع للتعاون الوثيق بين هذه الأطراف، إن لم نقل للتحالف الاستراتيجي.. لخدمة المصالح المشتركة، ومواجهة الأخطار المشتركة بفعالية أكبر.
ومعروف أن واقع هذه العلاقات الحالي دون المستوى المتوقع، بسبب تحكم بعض المصالح الذاتية الخاصة، وتدخلات أجنبية سافرة.. تنطلق من مبدأ «فرق، تسد».. ونجاحها في تحقيق هدف هذا المبدأ سيئ الذكر. وعندما نركز على العلاقات العربية الإيرانية، نجد أن هذه العلاقات تتعرض لعرقلة من قبل بعض الفئات المتنفذة، وبخاصة الفئة الحاكمة حاليا في إيران، إضافة إلى أطراف أجنبية لا تريد لهذه العلاقات أن تنمو بما ينعكس بالإيجاب على أطرافها.
****
ومنذ اندلاع «الثورة الإسلامية» الإيرانية، عام 1979 م، وقيام حكومة ثيوقراطية في إيران، يقودها الملالي، شهدت هذه العلاقات تدهورا ملحوظا ومتواصلا، يمكن رده إلى كون إيران قد أصبحت تمثل تيارا مضادا للعروبة، ولغالبية المسلمين. أعلنت إيران أنها تريد «تصدير» ثورتها تلك للجيران. والأسوأ أنها اتخذت سياسات توسعية سافرة.. تستهدف مد النفوذ الإيراني (المتضمن محاولة بسط القومية الفارسية والمذهب الصفوي) على الجوار العربي، أو على أكبر قدر ممكن منه. وبدأ المراقبون يلمسون بوادر مشروع «هلال صفوي».. يمتد من أفغانستان شرقا إلى البحر الأبيض المتوسط غربا، بقيادة فارسية عنصرية. وكانت «وسيلة» إيران الرئيسة لتحقيق هذا الهدف البشع – وما زالت – هي: التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ودعم الأقليات المتعاطفة معها، لإثارة القلاقل، ومحاولة «تمكين» هذه الأقليات للهيمنة على الغالبية، لحساب إيران.
****
وكان من الطبيعي، والمتوقع، أن يرفض العرب هذه السياسات، ويعلنوا استياءهم منها، ومقاومتها.. ولذلك أمسى سعي إيران الحثيث لتقوية ذاتها، وامتلاك السلاح النووي، يمثل هاجسا أمنيا وسياسيا خطيرا لدى العرب – السنة – يوشك أن يعادل هاجسهم وتخوفهم من امتلاك إسرائيل للسلاح النووي. ولكن، وفي كل الأحوال، تظل إسرائيل (أو هكذا يجب) هي العدو الأول. أما إيران، فإنها خصم لدود، ومنافس معاد (للعرب) يوشك أن يتساوى مع إسرائيل، ويصبح عدوا بحتا.
كل ذلك أدى إلى قيام «حرب باردة» بين العرب وإيران (وحروب عدة بالوكالة) توشك أن تتحول إلى حرب ساخنة ضروس. ولا شك أن اصطدام العرب بإيران عسكريا هو أمر كارثي، ليس في صالح الطرفين إطلاقا. ولن تكون هذه الحرب، إن اندلعت، إلا صراعا قوميا (عربيا – فارسيا) ومذهبيا.. بين أكبر مذهبين إسلاميين. وذلك سيعني إنزال ضرر فادح (لا سمح الله) بالمسلمين ككل.
****
لهذا، لا بد – كما يبدو – من اللجوء الحذر إلى «بديل» الصدام العسكري الأفضل، ألا وهو: أسلوب حل الخلافات بالطرق السلمية، وفى مقدمته: الحوار الموضوعي، والذى يؤمل أن يقود إلى التفاهم، والتعاون، ومن ثم السلام بين الجانبين. وقد طرح موضوع الحوار والتفاهم هذا على نطاق واسع مؤخرا. إذ نادت إيران، في مقال لوزير خارجيتها، نشر في يوليو 2015م، بضرورة الحوار مع العرب، وخاصة الخليجيين منهم. ورد معالي الأستاذ عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، على هذا التحرك الإيراني مؤكدا: «أن المملكة حريصة على علاقات جيدة مع إيران، شرط أن تغير من سلوكها». أي شريطة التخلي عن سياساتها التوسعية الاستفزازية الراهنة. وهذا شرط ضروري بالنسبة للعرب، وغيرهم. بل يجب على العرب اشتراط وقف هذه السياسات بالفعل، قبل الانخراط في أي حوار مع إيران.
وبدون إقلاع إيران عن سياساتها المعادية لن يكون هناك أي معنى للحوار، الذي يجب أن يركز – إن تم – على دعم الرؤى والمصالح المشتركة، وتخفيف حدة الخلاف بين الجانبين، للوصول لأرضية مشتركة ووضع (Win – Win Situation) . فذلك يصب لصالح الطرفين، ويسهم في دعم الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، ويخدم الدين الإسلامي، ويؤكد حقيقته السلمية والمسالمة لكل العالم.

للتواصل أرسل sms إلى 88548
الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303
زين تبدأ بالرمز 121 مسافة ثم الرسالة