-A +A
عبدالاله الهوساوي
في صباح يوم الاثنين 1/4/1434، اضطرت الطفلة ذات الثلاثة عشر ربيعا التي تعاني من مرض الأنيميا المنجلية للحضور الى طوارئ مستشفى جازان العام بسبب ا?لام في الظهر وارتفاع في درجة الحرارة. قرر الأطباء تنويم هذه المريضة ووضعت لها خطة علاجية (تكاد تكون روتينية للمرضى المصابين بالأنيميا المنجلية) تتكون من عدة أمور من ضمنها إعطاؤها وحدة من الدم.
ما حدث في الأربع والعشرين ساعة التي تلت دخولها المستشفى كان أبعد ما يكون عن الروتين، وانتهى بقضية تعتبر إلى الآن واحدة من أهم القضايا التي شغلت الرأي العام في المملكة!

نعم، أنا أتحدث عن قضية الطفلة رهام وكيف نقل لها دم ملوث بالفيروس المسبب للإيدز (HIV).
وكعادتنا في مجتمعاتنا الشرقية، فقد كان هنالك «فيض من العواطف الجياشة» نحو هذه الطفلة البريئة وعائلتها وكان هنالك في المقابل سيل من الدعوات بالويل والثبور للمتسبب في هذا «الخطأ الطبي الفادح» وانتهى الأمر بلجان تحقيق شكلت بسرعة وانتهت بقرارات رادعة: إعفاء......، إعفاء....... إعفاء.....، إغلاق.......، تغريم........الخ! ولكن هل وضعت خطط تصحيحية تتجاوز إلقاء اللوم على الأشخاص إلى معالجة جذور المشكلة والأسباب الرئيسية التي أدت لحصولها، تطبيقا للهدي النبوي «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»؟!.
بعد قرابة السنتين والنصف من حصول هذه الحادثة التي شغلت الرأي العام، السؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن كقطاع صحي أفضل حالا؟ وهل نسبة إمكانية حصول هذا الخطأ اقل مقارنة بذلك الوقت؟
للإجابة على هذا السؤال سأشرح بعض الأمور المتعلقة بوضع بنوك الدم في المملكة:
- تتبع بنوك الدم مستشفيات القطاعات الصحية المختلفة (وزارة الصحة، الحرس الوطني، الدفاع، التعليم، الداخلية، التخصصي، الهيئة الملكية بالجبيل وينبع، القطاع الخاص).
- لا يوجد (إلى الآن) بنك دم مركزي في المملكة.
- التواصل بين بنوك الدم فيما يتعلق بقاعدة بيانات المتبرعين «ضعيف». فعل سبيل المثال: ممكن أن يكون هنالك متبرع ممنوع من التبرع في مستشفى أحد القطاعات بسبب إصابته بفيروس (HIV) ومع ذلك قد يستطيع أن يتبرع بدمه الملوث في مستشفى قطاع آخر (مما قد يكون سببا في تعريض أحد المرضى للخطر).
- التزام بعض بنوك الدم بالتواصل مع المتبرعين وإخبارهم عن نتيجة تحليل دمهم واحتمال إصابتهم بأي فيروس أو عدوى، مع الأسف «ضعيف»!
- هنالك تفاوت كبير في مستوى الجودة بين بنوك الدم المختلفة.
- هنالك نقص كبير في مخزون بنوك الدم في المملكة سببه قلة المتبرعين بالدم.
عودا على قضية رهام: مع الأسف فإنه مع كل التغطية الإعلامية الكبيرة، والعقوبات...الخ، فإن إمكانية حدوث رهام أخرى لا تزال موجودة، خصوصا في بنوك الدم بالمستشفيات الصغيرة! لماذا؟ هذه بعض الأسباب:
- النقص الكبير في الكادر الصحي المؤهل في هذا التخصص.
- عدم وجود بنك دم مركزي.
- ضعف قاعدة البيانات في الكثير من بنوك الدم.
- ضعف التنسيق والتواصل بين بنوك الدم.
- تبسيط المشكلة في عدد من الأشخاص من دون العمل على تطوير بيئة العمل في بنوك الدم.
تكمن مشكلة بنوك الدم في المملكة، كغيرها من الكثير من مشاكل القطاع الصحي، في ضعف التنسيق والترابط بين مكونات القطاع الصحي المختلفة. فمع أن 70% من مقدمي الخدمة الصحية في المملكة يمثلون القطاع الحكومي (بمعنى آخر، يحصلون على ميزانيتهم من وزارة المالية السعودية)، إلا أنه مع ذلك لا يزال مستوى التنسيق بين مقدمي الخدمة الصحية ضعيفا مما لا يؤدي الى الاستفادة القصوى من الإنفاق المالي الكبير على القطاع الصحي.
هل هنالك حل؟ طبعا.
يتلخص الحل في التالي:
- إنشاء بنك دم وطني مركزي (له فروع في مناطق المملكة المختلفة) وتزويده بأفضل التقنيات المعلوماتية الحديثة التي تمكنه من أداء عمله بفاعلية.
- استخدام هندسة العوامل البشرية لزيادة السلامة في بيئة العمل والتعرف على المشاكل والأخطاء قبل حدوثها.
- زيادة الترابط والتنسيق بين مكونات القطاع الصحي المختلفة من ممولين، ومنظمين، ومقدمين للخدمة الصحية، ولن يتم ذلك دون إعادة هيكلة القطاع الصحي تحت مظلة المجلس الصحي السعودي وتحويله إلى مجلس تنفيذي برعاية كريمة.
- إعادة صياغة الاستراتيجية الصحية الوطنية بما يتناسب مع التحديات التي تواجه القطاع الصحي في السنين القادمة والتركيز على زيادة الجودة والتقليل من الإهدار في تقديم الخدمة الصحية.
أختم بقول الله عز وجل في سورة المائدة: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا). ومما لا شك فيه أن التبرع بالدم هو من أشرف وأفضل الأعمال التي تساعد بإذن الله على إنقاذ حياة الناس. أثاب الله جميع المتبرعين بالدم خير الجزاء وجعل ذلك صدقة جارية في موازين حسناتهم.