-A +A
محمد المختار الفال
ما يزال السياسيون العرب يتحدثون بخطابين: خطاب للداخل وآخر للخارج رغم تطور وسائل الاتصال وانعدام الفوارق الزمنية بين الدول والمجتمعات.
ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لم يخرج عن هذا التقليد في مقاله المنشور في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية الأسبوع الماضي تحت عنوان «لقد استمعنا إلى الشعب العراقي» حيث قدم فيه ما يرى أنه يحسن صورة نظامه في نظر المتلقي الغربي فبدأ بالقول إنه من الممكن أن يبرز مجتمع حر في قلب الشرق الأوسط بعد عقود من الطغيان(!!) واستشهد بخروج العراقيين إلى الشوارع مطالبين بإحداث تغييرات من شأنها وضع حد لدورة الفساد، وأن هؤلاء المتظاهرين ينقضون وجهات النظر التي يتبناها الأجانب والتي تقول بأن المجتمعات العراقية المختلفة ينقصها الإحساس المشترك بالهوية وأن البلاد منقسمة على نفسها على أسس طائفية وعرقية بصورة لا يمكن معالجتها وأن الوضع في العراق لا يساعد على إحلال الديمقراطية.

وفاخر الكاتب (الرئيس) بأن الحكومة لم ترد على المتظاهرين بالقمع بل كان ردها بإصلاحات تهدف إلى إحداث نهضة سياسية واقتصادية لأنها تدرك أن الوضع في حاجة ملحة للتغيير. وأشار إلى أن الفساد حرم العراق من الموارد اللازمة للدفاع الوطني والخدمات الأساسية وهذا لا يعالجه إلا حكومة نزيهة فاعلة. وقال إنه في سبيل تنظيم الجهاز الحكومي وإلغاء الوظائف الشرفية باهظة التكاليف والحصص الطائفية المسببة للانقسام والإصرار على أن يكون التوظيف على أساس الكفاءة وعلى المحاسبة واتخاذ الإجراءات الجذرية لمعالجة الأزمة المالية التي فاقم من آثارها الاعتماد المفرط على عائدات النفط. وفي نهاية (اللوحة الديمقراطية) دعا الكاتب الولايات المتحدة الأمريكية وشركاء العراق الدوليين الراغبين في بناء ديمقراطية راسخة في العراق إلى المساعدة من خلال خبراتهم في تنظيم العمل وأجهزة الدولة ومكافحة الفساد...
هذا ملخص لأبرز ما عرضه المقال، رأيت إعطاءه هذه المساحة لأشرك القارئ، الذي لم يطلع عليه، وحتى يكون لديه ما يساعده على تكوين رأيه المستقل عن رأيي.
ثم من الإنصاف القول إن فكرة المقال ومحتواه يشير إلى معرفة بما يمكن «بيعه» في سوق الإعلام الغربي وعلى غالبية جمهوره الذي لا يعرف ما يجري على أرض الرافدين منذ تغلغل النفوذ الإيراني وتحكمه في مفاصل السلطة، لكن لا أظن أن الكاتب (المسؤول) يجهل معرفة الكثير من السياسيين وأصحاب القرار في أمريكا بتفاصيل حال وطنه واطلاعهم على ما يجري في الواقع لأن بعضهم من صناعه أو من الذين ورثوا صناعته. وإذا تصور الكاتب أنه سيؤثر على القارئ الغربي ويمنحه الرضا لأن بلاده ساهمت في «بناء ديمقراطية» يتغنى بها فماذا عن العراقيين الذين لا يرون ما يتحدث عنه الكاتب على أرض وطنهم المشتت بروح الطائفية، المقسم بالمحاصصة والممزق بالإقصاء ومحاصرة بعض مواطنيه في دوائر ضيقة بسبب انتمائهم الطائفي أو العرقي أو الجهوي؟.
نتمنى أن يكون ما قاله الكاتب المسؤول خطة واضحة تدعمها إرادة صادقة، تقوم على وسائل متوفرة تجمع العراقيين في وطن يتساوى أهله أمام قوانينه وتحمي استقلال قرارهم بعيدا على سطوة الدخلاء والعملاء الذين لا يريدون عراقا عربيا يفخر ويعتز بانتمائه.