يتميز الحج في الإسلام عن أي حج عرفته شعوب العالم عبر التاريخ. فهو ليس لزيارة صنم أو وثن أو مكان. وهو ليس حجا لشخص حي يرزق للتبرك. وليس حجا لأضرحة وقبور لطلب الشفاعة مهما غيرت مسمياتها ومهما بررت أسباب زيارتها.
فقد عرف التاريخ أنواعا لا حصر لها من الحج ولكن الحج الإسلامي فعلا يختلف عن أي حج آخر منذ نشأته في عهد أبينا إبراهيم منذ بضعة آلاف من السنين.
فاختيار المكان لم يكن عشوائيا بل بأمر إلهي لنبي مرسل لم يكن يعلم أن بيتا لله كان موجودا في هذه البقعة من الأرض على وجه التحديد قبل تشريفه بالنبوة، كما أنه لم يكن يعلم بأن لهذا البيت قواعد عليه أن يرفعها مع ابنه إسماعيل دون غيره من الناس. ليبقى هذا الشرف له ولسلالته من ابنه إسماعيل حصرا تمهيدا لبعثة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولأن سيدنا إبراهيم لم يعلم حينها بالحكمة من هذا الاختيار فقد شكل موقع البيت المحرم في أرض جرداء محصورة بين جبال بركانية سوداء لا زرع فيها ولا ماء مفاجأة كبرى كان وقعها كبيرا على نفسه، ولأنه كان نبيا مرسلا واثقا بأن الله لا يريد به وبذريته إلا الخير وإن غابت عنه حكمة الاختيار، ما كان منه عليه السلام إلا أن دعا ربه أن يؤنس وحشة من اختارهم من ذريته بإعمار هذا المكان وجعله ومجاوريه مهوى لأفئدة الناس وأن يوسع في رزقهم. فأتته الاستجابة الإلهية بعد استكمال بناء الكعبة المشرفة بأن أمر بأن يؤذن بالناس بالحج ليأتوه رجالا وركبانا من كل فج عميق فأذن بالحج ليتدافع الناس بالحضور استجابة لأذانه وما زال في البيت من يؤذن كل عام بالحج منذ حقبة سيدنا إبراهيم الغائرة في عمق التاريخ وما زال هناك من يستجيب.
أما شعائر الحج فلها دلالات رمزية سامية تختلف عن دلالات أي حج آخر عرفه الإنسان فهو مفروض مرة واحدة في العمر؛ ليجتمع بالمشاعر كل عام أناس مختلفون ولا يكون إلا مع القدرة حتى لا ينشغل الحاج بطلب الرزق أو يخشى على من يعيلهم من الضياع بعد سفره للحج.
والإحرام بثياب بيضاء بسيطة لا مخيط فيها يعني التجرد من كل الرتب الدنيوية والفوارق المادية بين الحجاج فالزي موحد والقلوب موحدة والنية معقودة باتجاه واحد هو الحج لله طلبا للعفو والمغفرة. ولتأكيد هذا التوجه تم التشديد على من كبر بالحج أن يصون الفريضة التي أتى من أجلها باحترام كل من وما يلقاه في الأرض المحرمة بحرمة البيت من بشر وشجر وحجر ووحش.
ويأتي الطواف سبع مرات حول الكعبة بعكس عقارب الساعة محاكاة لحركة الكرة الأرضية التي لم تكتشف إلا في العصر الحديث. ومن بعده الصلاة في مقام سيدنا إبراهيم محاكاة لصلاته في البيت. ومن بعد الطواف يأتي السعي بين الصفا والمروة بدلالاته الهائلة التي أراد الله عز وجل أن نتعرف عليها بمحاكاة سعي أمنا هاجر بين الجبلين بحثا عن ماء أو ركب يحملون ماء لإنقاذ حياتها وحياة صغيرها من الموت عطشا، وبتفجر الماء فجأة تحت قدمي صغيرها سيدنا إسماعيل عليه السلام عرفنا أن السعي في الدنيا فرض على الإنسان وأن الرزق قد يأتي منه أو من حيث لا نحتسب، وأن علينا أن نؤدي ما علينا ونتقبل حكمة الله فينا.
أما في عرفات فيتحد المكان بالمعنى. ملايين المسلمين يلتقون على صعيد واحد في نفس التوقيت وليس على دفعات أو توقيتات مختلفة. فنحن هنا في مواجهة الحكمة الإنسانية الكبرى للحج، صعيد واحد وقلوب باتجاه واحد وتعارف وتضامن للجميع وتعال فوق العرق واللون وفوق الجغرافيا وفوارق الدخل والمقامات الدنيوية. مؤتمر مفتوح شامل ليوم كامل كل ما فيه من أفعال وأقوال ومناسك تؤكد على وحدة هذه الأمة وتفردها ولذلك كان الحج عرفة.
أما المبيت بمزدلفة فدلالته عجيبة فهي في المعنى اللغوي مقترب ومكان اجتماع وفي الدلالة معبر من عرفات لمنى والمبيت بها والمرور عبرها يشبه الحياة الدنيا بالنسبة للإنسان في قصر وقتها وقرب مسافتها. وفيها وسوس إبليس لسيدنا إبراهيم لثنيه عن الاستجابة لأمر ربه بالتضحية بابنه الراشد العاقل المطيع فكان رد سيدنا إبراهيم جمع الحصى تحسبا لظهوره وهو ما حدث بعد ذلك في ثلاثة مواضع في منى وفي كل ظهور كان يتلقى سبع حصوات رجما في وجهه. وفي موقف إنساني لا يحتمله أشد الرجال قوة تل إبراهيم ابنه إسماعيل للجبين لذبحه ولم يتبع هواه فيشقى، أما إسماعيل فلم يسترحم ولم يتذمر بل قبل بالقضاء وطلب من أبيه أن ينفذ أمر ربه، فافتداه الله الذي وثقا به بذبح عظيم في دلالة لا تقبل التشكيك على أن الأنبياء لم يصطفهم ربهم الا لصفات وقدرات منحهم إياها دون غيرهم. ودلالة أخرى تتمثل في قيمة الإنسان عند الله وتحريم التضحية به للأبد..
وفي الختام، أقول بأن هذه بعض خواطر ولمحات في محاولاتي لفهم حكمة الحج ودلالاته، فاعتبروها تفكيرا بصوت مسموع قد يكون في سياقه أو جانبه الصواب وكل عام وأنتم بخير.
فقد عرف التاريخ أنواعا لا حصر لها من الحج ولكن الحج الإسلامي فعلا يختلف عن أي حج آخر منذ نشأته في عهد أبينا إبراهيم منذ بضعة آلاف من السنين.
فاختيار المكان لم يكن عشوائيا بل بأمر إلهي لنبي مرسل لم يكن يعلم أن بيتا لله كان موجودا في هذه البقعة من الأرض على وجه التحديد قبل تشريفه بالنبوة، كما أنه لم يكن يعلم بأن لهذا البيت قواعد عليه أن يرفعها مع ابنه إسماعيل دون غيره من الناس. ليبقى هذا الشرف له ولسلالته من ابنه إسماعيل حصرا تمهيدا لبعثة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ولأن سيدنا إبراهيم لم يعلم حينها بالحكمة من هذا الاختيار فقد شكل موقع البيت المحرم في أرض جرداء محصورة بين جبال بركانية سوداء لا زرع فيها ولا ماء مفاجأة كبرى كان وقعها كبيرا على نفسه، ولأنه كان نبيا مرسلا واثقا بأن الله لا يريد به وبذريته إلا الخير وإن غابت عنه حكمة الاختيار، ما كان منه عليه السلام إلا أن دعا ربه أن يؤنس وحشة من اختارهم من ذريته بإعمار هذا المكان وجعله ومجاوريه مهوى لأفئدة الناس وأن يوسع في رزقهم. فأتته الاستجابة الإلهية بعد استكمال بناء الكعبة المشرفة بأن أمر بأن يؤذن بالناس بالحج ليأتوه رجالا وركبانا من كل فج عميق فأذن بالحج ليتدافع الناس بالحضور استجابة لأذانه وما زال في البيت من يؤذن كل عام بالحج منذ حقبة سيدنا إبراهيم الغائرة في عمق التاريخ وما زال هناك من يستجيب.
أما شعائر الحج فلها دلالات رمزية سامية تختلف عن دلالات أي حج آخر عرفه الإنسان فهو مفروض مرة واحدة في العمر؛ ليجتمع بالمشاعر كل عام أناس مختلفون ولا يكون إلا مع القدرة حتى لا ينشغل الحاج بطلب الرزق أو يخشى على من يعيلهم من الضياع بعد سفره للحج.
والإحرام بثياب بيضاء بسيطة لا مخيط فيها يعني التجرد من كل الرتب الدنيوية والفوارق المادية بين الحجاج فالزي موحد والقلوب موحدة والنية معقودة باتجاه واحد هو الحج لله طلبا للعفو والمغفرة. ولتأكيد هذا التوجه تم التشديد على من كبر بالحج أن يصون الفريضة التي أتى من أجلها باحترام كل من وما يلقاه في الأرض المحرمة بحرمة البيت من بشر وشجر وحجر ووحش.
ويأتي الطواف سبع مرات حول الكعبة بعكس عقارب الساعة محاكاة لحركة الكرة الأرضية التي لم تكتشف إلا في العصر الحديث. ومن بعده الصلاة في مقام سيدنا إبراهيم محاكاة لصلاته في البيت. ومن بعد الطواف يأتي السعي بين الصفا والمروة بدلالاته الهائلة التي أراد الله عز وجل أن نتعرف عليها بمحاكاة سعي أمنا هاجر بين الجبلين بحثا عن ماء أو ركب يحملون ماء لإنقاذ حياتها وحياة صغيرها من الموت عطشا، وبتفجر الماء فجأة تحت قدمي صغيرها سيدنا إسماعيل عليه السلام عرفنا أن السعي في الدنيا فرض على الإنسان وأن الرزق قد يأتي منه أو من حيث لا نحتسب، وأن علينا أن نؤدي ما علينا ونتقبل حكمة الله فينا.
أما في عرفات فيتحد المكان بالمعنى. ملايين المسلمين يلتقون على صعيد واحد في نفس التوقيت وليس على دفعات أو توقيتات مختلفة. فنحن هنا في مواجهة الحكمة الإنسانية الكبرى للحج، صعيد واحد وقلوب باتجاه واحد وتعارف وتضامن للجميع وتعال فوق العرق واللون وفوق الجغرافيا وفوارق الدخل والمقامات الدنيوية. مؤتمر مفتوح شامل ليوم كامل كل ما فيه من أفعال وأقوال ومناسك تؤكد على وحدة هذه الأمة وتفردها ولذلك كان الحج عرفة.
أما المبيت بمزدلفة فدلالته عجيبة فهي في المعنى اللغوي مقترب ومكان اجتماع وفي الدلالة معبر من عرفات لمنى والمبيت بها والمرور عبرها يشبه الحياة الدنيا بالنسبة للإنسان في قصر وقتها وقرب مسافتها. وفيها وسوس إبليس لسيدنا إبراهيم لثنيه عن الاستجابة لأمر ربه بالتضحية بابنه الراشد العاقل المطيع فكان رد سيدنا إبراهيم جمع الحصى تحسبا لظهوره وهو ما حدث بعد ذلك في ثلاثة مواضع في منى وفي كل ظهور كان يتلقى سبع حصوات رجما في وجهه. وفي موقف إنساني لا يحتمله أشد الرجال قوة تل إبراهيم ابنه إسماعيل للجبين لذبحه ولم يتبع هواه فيشقى، أما إسماعيل فلم يسترحم ولم يتذمر بل قبل بالقضاء وطلب من أبيه أن ينفذ أمر ربه، فافتداه الله الذي وثقا به بذبح عظيم في دلالة لا تقبل التشكيك على أن الأنبياء لم يصطفهم ربهم الا لصفات وقدرات منحهم إياها دون غيرهم. ودلالة أخرى تتمثل في قيمة الإنسان عند الله وتحريم التضحية به للأبد..
وفي الختام، أقول بأن هذه بعض خواطر ولمحات في محاولاتي لفهم حكمة الحج ودلالاته، فاعتبروها تفكيرا بصوت مسموع قد يكون في سياقه أو جانبه الصواب وكل عام وأنتم بخير.