-A +A
مشعل السديري
قبل سنوات ليست بالقصيرة كنت في بيروت وتعرفت بالصدفة على رجل كبير بالسن من أهل شمال المملكة، واستلطفته نظراً لسذاجته وسرعة بديهته، وعرفت أنه لأول مرة يخرج من المملكة -أي بمعنى (بدوي بكرتونه)-، فعزمته على حفلة صباح في (دير القمر)، وللدلالة على جهله سألني: وش هي صباح، هل هي شيء يؤكل؟!، فقلت له: لا إنها مطربة.
وبعد أن وصلنا وما أن بدأت المطربة تغني: (ع الضيعة يامه ع الضيعة)، حتى فوجئت بالرجل الذي استخف به الطرب والنشوة، يقف على قدميه ويقاطعها رافعاً صوته وهو يقول لها: يا صباح، يا صباح، يا صباح -كررها ثلاث مرات- ثم قال: اسمعيني، فتوقفت المسكينة عن الغناء معتقدة أن مصيبة قد حصلت، وإذا بأخينا بالله يقول لها: الضيعة والله عندنا (بحزم الجلاميد) ما هي عندكم -وكان يظن أن الضيعة تعني (الضياع)-.

فسألته هي بواسطة (الميكرفون): يعني إيه حزم الجلاميد؟!، فجاوبها يعني (نشفان الريق) والصحراء التي ليس فيها اية نبتة، ما هو مثل ما عندكم (راحة وطراحة وسهود ومهود) وأشجار وأزهار، حتى كلابكم عزيتموها، وأطلقتوا على أحد أنهاركم مسمى (نهر الكلب)، والسلق عندنا يا حسرة ذابحها العطش.
والغريب إنه ما أن أنهى كلامه حتى ضجت القاعة بالقهقهات والتصفيق، في الوقت الذي أخذت فيه أنا إداري وجهي من شدة الخجل، وألوم نفسي على اصطحاب ذلك الرجل الذي ما شاف شيء، وعندما شاف صباح حتى اتجنن.
واستمرت (الصبوحة) بالغناء كما لم تغني في حياتها أروع من ذلك، وفي كل وصلة كانت عينها لا تفارق ذلك (القروي)، الذي كان يبادلها النظرات الجريئة (بطق الأصبع).
وبعد أن وصل الحال إلى هذا الحد، قررت أن أخرج وانسحب واسحبه معي، غير أن (راسه وألف سيف) رفض أن يتزحزح من مكانه وكأنه مسمّر بالكرسي، قائلاً لي: إذا أردت أن تذهب إذهب أنت وحدك (بلهاوي والذيب العاوي)، أما أنا فباق هنا إلى أن تشرق الشمس، قلت له: الظاهر إنك (عنز بدو طاحت بمريس)، أجابني والله ما هو أنا العنز إنت العنز يا (رخمه)، فاستسلمت وجلست خوفاً من الفضيحة.
وفي الرابعة والنصف صباحا، انتهت الحفلة، وما راعني إلاّ صباح وهي تنزل من على خشبة المسرح، وتتجه نحونا، فمددت لها يدي أدباً لكي أسلم عليها، فتركتني وتركت يدي ممدودة بالهواء، وقالت لطيب الذكر: يا الله شو إنت مهضوم، شو اسمك يا مسيو: فقال لها ونواجذه مفتوحة على الآخر: اسمي (جلهم)
فالتفتت لي رحمها الله تسألني: يعني إيه (جلهم)؟!، وكدت أن أقول لها: إنه يعني (آكل النسوان)، والحمد لله أن المعجبين تكالبوا عليها قبل أن أتم جوابي، فاستغليتها فرصة فدفعت بصاحبي إلى أول (تاكسي)، وهذاك هو (وجه الضيف)، لأنني تركته بعدها ولا أدري ماذا (فعل) الله به؟!
الله يذكر تلك الليالي والسهرات بالخير، انظروا اليوم إلى لبنان وقد تكدس (بالزبائل).
الحقيقة أن لبنان ما يستاهل، فهو أجمل بلاد الدنيا، والله يجازي اللي كانوا السبب.