إيهاب حسن، المصري المولد والنشأة، والنموذج المشرق لشاب عربي شق طريقه في الغرب في حقبة حرجة جدا من تاريخ العالم (بعد الحرب العالمية الثانية)، ليصبح منظرا مرموقا يشار له بالبنان عند الحديث عن فلسفة ما بعد الحداثة الغربية المنشأ والمآل. ولعل أول ما يخطر على بال الدراس عند عرض اسمه هو محاولته الأبرز لوضع تعريف محدد لما بعد الحداثة على المستوى الثقافي والفلسفي. صمم حسن جدولا يتضمن لائحة بالاختلافات بين الحداثة وما بعد الحداثة من خلال التقابل الثنائي بين المصطلحات والمفاهيم التي ارتبطت بكل حركة. وقد نشر حسن هذا الجدول الذي اكتسب شهرة واسعة في الأوساط الأكاديمية والنقدية في مقال له بعنوان (ثقافة ما بعد الحداثة) نشر عام 1985. لإيهاب حسن بيبليوغرافيا طويلة جدا تتضمن 15 كتابا وأكثر من 300 مقال ومراجعة نقدية فريدة من نوعها. ومن بين أعماله الهامة: (البراءة الراديكالية: دراسات في الرواية الأمريكية المعاصرة ،1961)، و(أدب الصمت: هنري ميلر وصموئيل بيكيت،1967)، و(تقطيع أوصال أورفيوس: نحو أدب ما بعد الحداثة ،1971، 1982)، (ودوره ما بعد الحداثة: مقالات في ما بعد الحداثة النظرية والثقافية ،1987). وفي أواخر حياته انتقل حسن إلى كتابة السيرة الذاتية وأدب الرحلات فكان كتابة (خارج مصر: شذرات من سيرة ذاتية) 1986، و(بين النسر والشمس: آثار اليابان )عام 1996، ثم (شائعات التغيير: مقالات من خمسة عقود) جمع فيها أجزاء من أعماله السابقة. لم يتوقف حسن عن النشر في الدوريات والمجلات المرموقة وعن حصد الجوائز والتكريم وقد ترجمت كتاباته إلى 16 لغة مختلفة. ولأن حسن من أهم منظري ما بعد الحداثة، كان أيضا من الأوائل الذين شعروا بإرهاصات التغيير والانعطاف بعيدا عن ما بعد الحداثة. فقد شارك في المؤتمر الذي دعت له الباحثة (هايدي زيغلر) والذي عقد في آب من عام 1991 في مدينة شتوتغارت ف الألمانية بعنوان (نهاية ما بعد الحداثة). كان المؤتمر سلسلة من الحلقات النقاشية حضرها إلى جانب إيهاب حسن مالكوم برادبري، وريموند فيدرمان، وجون بارث، ووليم غاس. ونشرت الأوراق المقدمة إلى المؤتمر في كتاب حمل عنوان (موت ما بعد الحداثة: اتجاهات جديدة) صدر عام 1993. كان الهدف من المؤتمر القيام بمراجعة أخيرة لما بعد الحداثة من أجل تجاوزها نهائيا وإلى الأبد. ومع ذلك فقد اختار حسن أن ينضم إلى قائمة النقاد والمنظرين ما بعد الحداثيين الذين اكتفوا بنعي ما بعد الحداثة دون أن يشاركوا في التكهن بما سيكون بعدها. لم يتورط في صياغة مبكرة لنظرية بعد ما بعد حداثية وترك للنهر أن يحدد مجراه كما يريد. عن هذا التغيير من ما بعد الحداثة إلى ما بعدها قال حسن في مقابلة مع جرزي دوركجاك أنا أفكر في نفسي بوصفي هاويا، محبا للتغيير، الذي ربما يكون المبدأ الكوني الرئيس، ولكن ليس عندما تصبح ما بعد الحداثة فكرة ذابلة، أو تصبح الدراسات الثقافية تكرارا كالببغاء. نحن لسنا مضطرين إلى الاعتقاد بأن كل أخير هو الأفضل، وأنه لا بد أن يكون على حق أيا كان. البشر يعانون ولكنهم أيضا يقودون التغيير. الكون كفيل برعاية نفسه. ولأنه ترفع أن يكرر نفسه كالببغاء وترك للتغيير حرية التوجه والانطلاق اختار العزلة وركن طواعية إلى الصمت وإلى الهامش أواخر حياته يقول في المقابلة ذاتها حين سئل عن عزلته أو اعتزاله وعن سكونه السياسي ومع ذلك، أنت على حق. لقد همشت نفسي جغرافيا وفكريا بكامل إرادتي. تركت الحجج والجدال إلى شيء أكثر بدئية، ولكنه أكثر عمقا، وتعبيرا. يقولون الشخصة قدر ومصير لذلك، وخاصة إذا أدرجنا في تحديد الشخصية إمكانيات الخلق الذاتي والتجديد الذاتي، فأنا أشعر بالراحة على الهوامش، وربما لأنني لا أعترف بالمراكز أصلا. وينقصني ما أطلق عليه وايتهيد إيروس السياسة. وعلى عكس الناقد الآخر، الذي ولد في فلسطين، ونشأ في مصر - أشير إلى إدوارد سعيد، بطبيعة الحال – فأنا أميل إلى «الصمت» بوصفه لغة وأفضله على الخطاب الجدلي، أفضل الروحانيات على القضايا السياسية. ومع ذلك فإنني أقدر سعيد هذا هو، وهذا أنا. السياسة قد تكون ضرورية مثل أشياء أخرى: الجنس والموت، والكلمات، والحروب، والغذاء، والوضع.. هناك العديد من المسلمات «الناعمة»، كما تعلمون، والتي لا مفر منها. ولكن السياسة أيضا هي شكل من أشكال توجية الاهتمام لأمور ظاهرية، تسطيح ذاتي. وهي الفعل الأكثر إصرارا على الاهتمام بالذات: نصيبي، حقي، عشيرتي. الإغفال والتجاهل من صميم وجودنا أيضا.
همش إيهاب نفسه حتى رحل دون ضجيج ولكن التاريخ لن يهمشه أبدا فهو المنظر ما بعد الحداثي الأبرز بين القامات الغربية الذي لا يمكن لدارس ما بعد الحداثة وما بعدها ان يتخطاه أبدا.
همش إيهاب نفسه حتى رحل دون ضجيج ولكن التاريخ لن يهمشه أبدا فهو المنظر ما بعد الحداثي الأبرز بين القامات الغربية الذي لا يمكن لدارس ما بعد الحداثة وما بعدها ان يتخطاه أبدا.